دروس وعبر باكلوريا 2015: هل من مدكر؟!

جمعة, 2015-07-17 18:26

أفرجت وزارة التهذيب الوطني قبل يومين عن النتائج العامة لامتحان الحصول علي شهادة الباكلوريا برسم السنة الدراسية 2014 - 2015 وكانت نتائج التجاوز بالدورة الأولي مخجلة بكل الألوان والمقاييس (متوسط تجاوز أقل من 1 على 10) وهو معدل لو حصل عليه أحد أبناء الساسة والقادة لاستغشي ثيابه وتواري من القوم واحتجب عن الأنظار.  

 

والأغرب المثير للشفقة والعطف ونصرة جمعيات "حقوق الإنسان" أن تلك النتائج لم تستنهض رفع عقيرة أي سياسي ولا رجل فكر ولا دين ولا إعلام ولا عمل مدني... كما لو أن الجميع مستسلم، مطمئن وراض بقدرنا المحتوم والمرقوم في المحافظة علي ذيل ترتيب دول العالم والمنطقة في مجال نجاعة ونوعية التعليم!

 

تظهر المقارنات أن نسبة النجاح في الدورة الأولي لم تصل حاجز 8% من أصل 41986 مترشحا في حين تجاوزت بفرنسا (التي هي أم نظامنا التعليمي والتربوي) نسبة 87.7% وتجاوزت في كل من المغرب والجزائر متوسط 51% وبلغت بالسنغال نسبة 31.3% كما تجاوزت بدولة مالي التي تعيش شبه حرب أهلية حاجز الثلث 33.1% في حين وصلت نسبة 27.22% بتونس.     

 

والتساؤل اللغز سيبقي حول مصير ما يزيد علي 36000 شاب موريتاني أخفقوا في تجاوز حاجز الباكلوريا هذا العام وحيل بينهم وبين ما يشتهون من مواصلة الدراسة والذين يقارب عددهم جميع منتسبي أسلاك الوظيفة العمومية وأربعة أضعاف أفراد الأسلاك المكلفة بالأمن وينتمون إلي الفئة العمرية 18 - 25 سنة التي ينتمي إليها قطعا وأثرا خير الشباب الموعود لكن ينسب لها أيضا سواد التكفيريين والمنحرفين ونزلاء السجون!!!

 

وعلاوة علي هذا التساؤل المخيف فإن متوسط التجاوز المخجل في امتحان الحصول على شهادة الباكلوريا هذا العام يخفي العديد من الاختلالات المناطقية والفئوية و التربوية الصارخة التي لا تزيد عجلة التعليم إلا مَوْحِلا وحالة الانسجام الاجتماعي إلا تصدعا ويمكن أن نذكر منها مثلا لا استقصاء:                                                                 

أولا: تفاوت نسب النجاح حسب الولايات والمناطق:

فعلي سبيل المثال لم تستطع ولايات غيدي ماغا وتكانت تجاوز عتبة 1% كما أن مجموع الناجحين بخمس ولايات هي الحوض الشرقي والحوض الغربي ولعصابة وتكانت وكيدي ماغة لم يتجاوز نسبة 8.1% من المجموع الوطني للناجحين في حين يتجاوز عدد سكان هذه الولايات 1220000 فرد بما يمثل نسبة 40% من مجموع السكان حسب آخر تعداد سكاني وينبغي أن يستحث استقراء من هذا القبيل سياسات عمومية تصحيحية تركز علي ضرورة التنمية المجالية المنسجمة والتوازن المناطقي العادل.

 

ثانيا: شبه انعدام نسب النجاح في "مقاطعات الأمل":

تظهر الاستقراءات الإحصائية  انعدام أي مترشح من مقاطعتي باركيول ومونغل في حين أن عدد المترشحين في مقاطعات كنكوصة، ولد ينج وامبود بلغ 316 مترشحا في حين لم يتجاوز عدد الناجحين 7 (سبعة أفراد) بما يمثل نسبة 0.02% وهو ما يوضح الحاجة الوطنية والأمنية - المجتمعية والاستراتجية لصياغة برنامج تعليمي خاص بالمناطق ذات التواجد المكثف لرواسب الاسترقاق.                                                                                                   

ثالثا: تفاوت صارخ بين نسب النجاح بين الشعب العلمية والأدبية:

حيث يلاحظ ارتفاع نسبي لمعدلات نجاح الشعب العلمية (الرياضيات، التكنلوجيا، العلوم الطبيعية) الذي بلغ 12% في مقابل تراجع معدلات نجاح الشعب الأدبية (العصرية والأصلية) الذي لم يتجاوز 3% وذلك عائد إلي تدني مستوي إتقان اللغتين العربية والفرنسية المطلوبتين تقعيدا وتحريرا في امتحان باكلوريا الأدبية. وتلك إحدى نواقص وثغرات المقرر التربوي يتعين تلافيها عاجلا قبل أن تؤثر علي حاجيات السوق الوطني من مخرجات الشعب الأدبية.  

 

وصدق من قال إن شهادة الباكلوريا هي مرآة التعليم وأن هذا الإخفاق الماحق دليل وبرهان على فشل  ماكنة التعليم كلها لكنه يجانب الصواب قليلا من يقول إن مرد ذلك عائد إلى إخفاق إصلاح التعليم 1996 ففي تقديري أن الإصلاح المذكور جيد من الناحية النظرية عاجز من الناحية التطبيقية واللوجستية ولا يتطلب الأمر اليوم إصلاحا جديدا وإنما مراجعة وتحيينا وترتيبا لبعض الأولويات وعزيمة سياسية وإدارية فولاذية وتوجيها لموارد مالية معتبرة.

 

وأخيرا فإنه من المتوقع أن يقدم وزير التهذيب الوطني عرضا أمام الاجتماع الاسبوعي للحكومة حول نتائج امتحانات الباكلوريا والدروس المستخلصة كلي أمل في أن يمثل العرض المرتقب القطيعة القطعية والكلية مع تقاليد لغة الخشب والتحفظ وأن يضغط جهد الكف على أجراس الإنذار كلها حتي يَدًكر من له قلب وطني سبيلا إلي إعداد "خطة مارشال وطنية" حول إصلاح التعليم الذي هو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسم الوطني كله والذي سبق أن قلت إنه يعاني من التهابات عرقية وفئوية وشرائحية وحقوقية تزداد حدة يوما بعد يوما وتتطلب علاجا عاجلا وناجعا.