صحراء التيه و المسير المبارك و المحطات المحرمة / منى بنت الدي

ثلاثاء, 2015-08-18 00:18

يسيرون في صحارى مقفرة يتحملون طول المسافات و حرارة الطقس و ندرة نقاط الماء ، يسرون في ليالي معتمة و موحشة و أيام طوال يخيل إليك أن الشمس الحارقة فيها تتصل بأدمغتهم و تتقصدها من أجل إتلاف خلاياها.يضعون أمام أعينهم هدفا كبيرا و ساميا تهون المسافات

 و الصحارى المقفرة الجرداء و العطش و الجوع و التعب في سبيل الوصول إليه.تراهم يسيرون و يغذون السير بعضهم حافي القدمين و بعضهم تقطع نعاله و أدمت رجلاه في ذلك المسير و بعضهم يدخل المسير بركوب ثم يموت مركوبه لوعورة الطريق ثم ينزل و يواصل سيره.في صحارى التيه و الضياع تكثر الذئاب و الثعالب و شتى أنواع الحيوانات المفترسة و عندما يجن الليل تبدأ الكلاب نباحها و تتعاوى الذئاب و يستمر المسير لا يعبأ بعتمة الليالي و وحشة الصحراء و نباح الكلاب.على جنبات هذا الطريق الوعر توجد محطات وارفة الظلال تملأها الأشجار المحرمة  ذات الثمار التي أخرجت ذات يوم آدم من الجنة و فيها مياه باردة ظاهرها فيه الرحمة و باطنها فيه العذاب من يشرب منها يجدها ملوثة بدماء الأبرياء و الفقراء و المحتاجين و فيها روائح نتنة يختلط فيها العرق بالدم و الحقوق.قبالة بعض هذه المحطات يسقط البعض في فخاخها و يخيل إليهم من تعبهم و جوعهم و طول مسيرهم أنها أرحم بهم من مواصلة المسير الذي طال كثيرا و وعرت أرضه و أقفرت صحراؤه و طال جدبه. تساقط الكثير الكثير من المسيرة و أكلته ذئاب الصحراء و تناهشته كلابها و دخل بعضهم في المحطات المحرمة و اسمترأ شرب المياه النتنة و الفواكه المحرمة و ربى كروشا من اللحوم الآدمية.و يستمر المسير يتقدمه رجال و نساء يؤمنون بأن الوصول الى المدينة الفاضلة لا بد له من الصبر و تحمل الأذى  من الأقربين و الأبعدين على حد السواء و كلما اصطادت المحطات المحرمة و زبانيتها من ذلك المسير كلما أخرج  الله من  باطن الأرض أقواما آخرين يتعزز بهم ، لذلك يتساءل زبانية المحطات المحرمة كيف يستمرون في هذا المسير و نحن نغريهم و نخوفهم و نشد وثاقهم و نحرمهم و نضايقهم و مماذا يستمدون قوتهم و إصرارهم على مسيرهم هذا. فيجيب صوت من السماء إنه نور الحق و الإيمان بالله و حب الأرض و السعي الدائم للخير يحفه الله بلطف خفي و غيم ظليل لا يكاد يميزه و يحس به إلا من ملأ الله قلبه نورا. و يستمر المسير الطويل و يردد البعض فيه بيت الشاعر المهندس :قدر علينا أن نسير و ربما    تتوقف الدنيا و نحن نسير.و يقول السابقون السابقون :لعمرك ما ترتاب ميمونة السعدى   بأنا تركنا السعي في إثرها عمدا.و كلما تراءى سراب إذا بالمسير يغص بالناس تتنادى عليه من كل فج عميق و ترى الذبائح و القرابين و المراكيب و الخيل المسومة و تتعالى الأصوات و يكثر الضجيج و يزدحم المسير و يدخله الوثني و المؤمن و الطامع و يحتمي فيه الخائف. و يستمر المسير مثقلا بكل ما علق به من مجرد سراب. و عندما يقترب من نقطة السراب تجد بعضهم يقفل راجعا للمحطات المحرمة و تجد البعض الآخر يذوق حلاوة الصبر و الجلد الممتزجة بنور خفي و ظل سري و هواء نقي تشده المواصلة في ذلك المسير المبارك الذي تساقط عنه الكثيرون  في صحراء الجدب و القفر التي تمده هي الأخرى بأقوام أشد قوة و أكثر تحملا.و يستمر المسير و تستمر المحطات المحرمة في غيها تبعث بالذئاب و الثعالب و الدخان و الأذى و ترسل الكلاب تنبح بالجحود و تدعي الأباطيل و تسعى لأن تبث بين الناس أن هذا المسير المبارك إنما هو وجه آخر لمحطاتها و فاكهتها لأن زبانية المحطات يعرفون أن المسير سيصل حتما بقوة إيمانه و نور الحق الذي يملأ أركانه للمدينة الفاضلة التي ستكون وبالا على محطاتهم الزائفة الحرمة.