الارهاب الاجتماعي و الثقافي النائم... أشد من الارهاب العنيف القائم/ الولي ولد سيدي هيبه

-A A +A
أحد, 2015-08-23 08:17

كان من المعروف في الخارج عن الشعب الموريتاني أنه شعب مسالم، متدين و غير ميال بطبعه الهادئ و في ثقافته التعاملية العالية إلى العنف "التدميري، الأمر الذي جعل الكثيرين يقولون بوسطية معتقدهم الديني وسماحته و يشيدون بممارساتهم الحياتية الخالية من مقومات العنف

و ما يجر إليه من التطرف و الغلو. حقيقة لا جدال مطلقا في معظم أجزائها و إن اعتبر على الأعم فيها غياب العنف المادي الصرف من استسهال للقتل كما تبين القارة السمراء و إقدام على التشويه البدني كما في أسيا الوسطى و  جسارة على القهر و الإكراه و الإذلال بقوة السوط و السيف و الإرهاب كما في العراق و سوريا و اليمن؛ لكنها حقيقة يخلخلها بالرجوع إلى الماضي إلى حد بعيد ما استعيض به في بنية المجتمع منذ كان و خلال كل مراحله التي امتدت على مساحة قرون، من إرهاب نفسي ابتكرت له أساليب إرهابية مزجت بين جد السيف البتار و التأويل الغرضي لبعض نصوص الدين الحنيف من جهة و بين لغة سامية التركيب في بنيتها اللفظية، ملحمية في إلياذاتها و فتوحاتها، عالمة في تأويلاتها البيانية و شاعرة في غنائيتها الممررة بتوجيه منهجي إلى داخل العقول، المثبتة في النفسيات و المخالطة للسلوكيات، علما اجتماعيا متكاملا يوزع  الأدوار و يرسخ المفاهيم على خلفية "تراتبية" مثبتة الأركان في المكان و الزمان ظلت تتأصل حتى قَبِلَ كُلُ كِيان مُكرَهًا في سياقها النهائي و على مَضضٍ دَورَهُ الذي سيتحول لاحقا مع الزمن إلى نسب و شريحة و انتماء و فصيل لا يٌكدرُ أو يٌعكرُ صفوَ أيا منها و لا ينقصُ ما قُدر له من مكانة و حيز و ملك.. حقيقة هي الأخرى بطعم العلقم و قد تحولت إلى مصير مفروض و مقبول رَدَمَ هوةَ العنف بين كل هذه الشرائح المشكلة بالنهاية لبنية المجتمع، و حال دون الجهر الصارخ بالعنف المطالب بالسيطرة و الهيمنة من جهة و ذلك المطالب بالحرية و المساواة من جهة أخرى في قدرية ساخرة على خلفية صمت مريب. و هي الوضعية التي تحولت بذلك من مرحلة الصراعات على الوجود و إثبات الذات بكل ما كانت تتطلبه من عنف و سعي لإقصاء الآخر، إلى مرحلة التعايش على أساس:·        ما أفرز العنف على أشده،·        و ما اتفق عليه من تطويع بعض النصوص الشرعية لضرورات المرحلة بوصفها مرحلة الاستقرار و التعايش و التكامل و لو في تعمد غياب الندية في المكانة أو المساواة في الحقوق و الواجبات.و جاء الاستعمار الذي و إن كان بغيضا ـ لا بد أن تُسجل له بأمانة مع التاريخ مزيةُ تنبيه الغافلين إلى حيف الطبقية و النظم الاجتماعية الجائرة و أنها ضرب متقدم من الإخلال بمعتقد الإسلام الذي يسوى بين جميع الناس ـ ليضع هذا الدخيل المجتمع، المفكك شرائحيا ضمن وئام الرضوخ للواقع الذي أسس لنفسه، في حيز الدولة المركزية و يُفتح عقولَ خَيرِيه على ضرورة مراجعة المنظومة القائمة للخروج من منظومة السيبة إلى حيز الدولة المركزية.و لم يفلح الاستعمار بالطبع، مع عدم جديته المطلقة لحساب مصالحه، في مسعاه و ظلت الأمور تراوح مكانها رغم ازدياد الوعي و ارتفاع بعض الأصوات المطالبة بالخروج من عباءة "الماضوية" و الأخذ بمتطلبات دولة القانون و المواطنة و المدنية.و تعاقبت على حكم البلاد منذ الاستقلال نظام مدني آحادي و جملة من الأحكام العسكرية من دون إراقة دماء في حالة نادرة في كل القارة و في الوطن العربي حتى هبت رياح الديمقراطية فخالطت الواقع السياسي المزمن و لم تفلح هي الأخرى في إحداث أي تغيير في المنظومة الاجتماعية القائمة التي ظلت على حالها لا تكدرها الدلاء:·        تؤثر و لا تَعدل،·        تظلم و لا تُقسط،·        تهين و لا تَرفع،·        تؤخر و لا تقدم،·        لا تبقي من مال و لا تذرفي جنوح مثير إلى سلم واقعها المختل و في بُعد مريب كذلك عن أساليب عصر اتسم بعضُها من حول البلاد بالعنف حتى استتب الأمر و الآخر بعنف أفضى إلى فوضى عارمة أحرقت اليابس و الأخضر. جنوح لسلم محمود في ظاهره يغار منه القريب من الجار قبل البعيد و لكن إذا لم  تسد على عاصفه المشتعل كل النوافذ التي بدأت تهتز لا بد أن يأكل الأخضر القليل قبل اليابس الغالب.و في هذا الظرف الدقيق من تاريخ البشرية الذي يشهد تضاعف الحروب التي لم تعد أهلية بقدر ما أصبحت من منطلق ثورة فكرية ناشئة و بالدرجة الأولى حقوقية في ظل وعي طافح بتراجع منطق تفاضل الأعراق، فإن مراجعة الإرهاب الاجتماعي و الثقافي و إعداد مقاربة حوله، لرصد حيثياته و كبح تداعيات و إطفاء جمره المتململ تحت الرماد باتت، أولى بتنظير العقول و الخبراء الاجتماعيين و الأمنيين من الاستغراق المفرط في مقاربة الغرب لمحاربة الإرهاب الخارجي و إن كان هذا الإرهاب يتغذي على التخوم و أبعد داخل التنظيمات الإرهابية على بعض أهلينا الذين يظهرون شراسة نادرة و اندفاعا محموما يغيبان عنهم مطلقا عند الإقامة في البلد أو الرجوع إليه انصياعا تلقائيا لإملاءات المنظومة الاجتماعية المتحجرة التي ترفض العنف داخليا ما لم تتفجر و تفصح عن كل مركباته و أسبابه النائمة من غبن و إقصاء و تسلط و تباين و نهب و فساد و اللائحة طويلة يندى لها جبين دولة العدل و المواطنة.