نحو سوق أوراق مالية إسلامية بموريتانيا

أربعاء, 2015-10-14 13:57
المامي أحمد سالم-ماجستير مالية إسلامية من الجامعة الإسلامية العالمية-ماليزيا

في مقتطفات سريعة أردت مشاركة المعنيين رأيي في إنشاء سوق أوراق مالية إسلامي بموريتانيا, إن التطرق للموضوع سيكون من خلال محاولة للإجابة على الأسئلة التالية:

 

ماهي أهمية سوق أوراق مالي إسلامي لموريتانيا ؟

ماهي سوق الأوراق المالية الإسلامية ومنتجاتها؟

كيف يتم بناء أساسيات هذا السوق في موريتانيا؟

ماهي أهمية سوق أوراق مالي إسلامي لموريتانيا ؟

 

موريتانيا لا تختلف عن مثيلاتها من الدول الأ قل تنمية في العالم, فمن بين أسباب عوائق التنمية لهذه الدول, يرجعه الاقتصاديون إلي عدم القدر علي خلق رأس المال. من هنا تأتي الحاجة إلي توفير آليات و إيجاد قنوات تستطيع من خلالها رؤوس الأموال المحلية وحتي الدولية أن تذهب من المدخرين إلي المستثمرين لخلق إنتاجية أكبر قد تعود بالفضل علي الاقتصاد ككل. ففي الحالة الموريتانية لاشك أن هناك ندرة في مصادر التمويل مما يدفع إلي الاستدانة من مؤسسات كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتي تثقل كاهل الدولة بالديون ذات الفوائد المتراكمة.

 

إن الحديث عن عملية خلق أرس المال أو تحريك الأموال) (Capital Formation or mobilizing of funds هذه قد تقودنا إلى الحديث عن توفير مناخ مالي إستثماري, ولا يتأتي ذالك إلا من خلال أستحداث آلية يستطيع من خلالها المدخرون( الأفراد والمؤسسات المالية) أستثمار أموالهم ويستطيع من خلالها المستثمرين( ملاك وسائل الإنتاج, مؤسسات الدولة و أصحاب الشركات الخاصة) الحصول على الأموال للتوسع في مشاريعهم القائمه أوخلق مشاريع جديدة بما يعود عليهم بربحية أكبر و يسرع من عجلة التنمية في البلد.

 

إن من أنجع الطرق المستحدذة عالميا لخلق رأس المال من الداخل وحتى من الخارج, هي إنشاء سوق الأوراق المالية أو البورصة, و هي سوق مالية يتم فيها تداول الأسهم والسندات تبعا لقواعد قانونية وفنية تحكم أداء السوق وكيفية التداول بها في إطار قانوني يوفر الحماية للمتعاملين مما يضمن حق كل من المستثمرين و المدخرين.

 

إن هذه السوق قد يتم تشكيلها بطريقة تتماشى مع أحكام الشريع الإسلامية  وهو التوجه العالمي الجديد وما يتماشي مع طبيعة المجتمع الموريتاني كمجتع إسلامي حيث سيكون التفاعل أكثر مع هذه السوق مما يضمن لها فعالية وحيوية أكبر, وحتي إذا كان الهدف خلق رأس المال خارجي فمن المعروف أن وفرة الأموال الآن توجد بمنطقة الخليخ حيث المستثمرون أكثر انجذاب للتمويل الإسلامي و لكن ماهي القيمة التي يمكن أن تضيفها سوق أوراق مالية لموريتانيا؟

 

إن الإجابة على هذ السؤال بدقة تتطلب دراسة ميدانية لمعرفة جدوائية إنشاء هذا السوق بموريتانيا من غيرها, ولاكن في انتظار تلك الدراسة دعونا نتبع مقاربة نظرية و إن كانت مدعمة جزئيا بقراءة في بعض التقارير الدولية والتي يمكن الأقتباس منها.

 

إن أهمية هذه السوق لموريتانيا قد يتمثل في خلق قنوات من خلالها يتم توفير قروض إسلامية طويلة الأجل للدولة والمؤسسات الخاصة من أجل القيام بمشاريع كبناء الطرق, مشاريع الطاقة, مشاريع الزراعة وغيرها مما يعطي دفعا للإقتصاد الوطني.

 

إن توفير قروض طويلة الأجل كهذه لا يمكن للبنوك الوطنية توفيرها, فحسب التقرير الصادر بالتعاون مع البنك الدولي تحت عنوان  (Mauritania - Financial sector development strategy and action plan 2013-2017) حيث يظهر هذا التقرير أن البنوك الموريتانية الودائع بها مابين القصيرة بنسبة 76% و المتوسطة بنسبة 21% بينما الودائع طويلة الأجل لا تتجاوز 3% مما يحد من قدرة البنوك علي تمويل مشاريع طولت الأجل .

 

قد يتبادر لمن يقرأ نسب كهذه في ضوء حالة الاقتصاد الموريتاني أن السبب يرجع إلي ضعف الادخار في البلد, ولكن يأتي البنك الدولي ليفاجئنا بنسبة ادخار معتبرة لموريتانيا وهي 35%( موقع البنك الدولي آخر النسب2013 ).

 

علي كل هناك حاجة إلي وجود آلية كسوق الأوراق المالية لتحريك هذا الادخار- إن كان فعلا موجودا- أو لخلق ثقافة ادخار وتدعيمها في المجتمع الموريتاني. زد علي ذالك أن هذه السوق قد تكون بوابة من خلالها تتم الأستفادة من رأس المال الأجنبي. إن تحريك الأموال أو خلقها سيساعد في تمويل مشا ريع تدفع بعجلة التنمية  كهذه و تحد من هجرة رأوس الأموال للخارج لتوفر آلية للإستثمار داخليا.

 

ولا شك أن حاجة الدولة للأستدانة من البنك الدولي و صندوق النقد الدولي قد تتراجع في ظل إيجاد مصادر تمويل أرخص بكثير ومن دون شروط تؤدي إلي التدخل في السياسات الأقتصادية الداخلية للبلد.

 

كما أن تطوير سوق كهذ قد يساعد في التعاون مابين القطاع العام و الخاص من خلال تدفق الأموال من القطاع الخاص من أجل أستخدامها في أغراض التنمية مما سيدفع بالنمو الأقتصادي ويساعد علي خلق فرص إنتاجية أكبر ومن ثم توفير فرص عمل أكثر ستساعد في أمتصاص البطالة.

 

ماهي سوق الأوراق المالية لإسلامية ومنتجاتها؟

سوق الأواق المالية أو البورصة هي سوق مالية يتم فيها تداول الأسهم والسندات تبعا لقواعد قانونية وفنية تحكم أداء السوق وكيفية التداول بها. أما الحديث من سوق ورقي مالي إسلامي فهو لا يختلق كثيرا عن السوق العادي إلا أن السوق المالي الاسلامي, الأسهم والسندات المتداولة فيه تكون مطابقة لأحكام الشريعة الاسلامية: أو من ناحية الإصدار وثانيا من ناحية التداول:

 

من ناحية لإصدار:                                                                                                                                من أجل مطابقت الأسهم والسندات للأحكام الشريعة الإسلامية ,لابد من مراعاة الضوابط الشرعية عند إصدار تلك الأسهم والسندات. فبالنسبة للأسهم قبل طرحها للبيع كأسهم إسلامية , لابد من القيام بعملية مسح شرعي أو ما يعرف ب عملية (Shari'ah screening), لتأكد من مدي شرعية معاملات الشركة صاحبة الأسهم, فالمسح التشريعي في الأساس هو عبارة عن اتباع طريقة فنية لمعرفة مدي تطابق أعمال الشركة المصدرة للأسهم للشريعة الإسلامية فلا يمكن تملك سهم في شركة تتعاطي أنشطة غير شرعية, كإيداع أموالها في بنك ربوي يجني لها فوائد ربوية أوغير ذالك من الأنشطة المحرمة.

 

فعملية المسح هذه تقوم على تعقب البيانات المالية للشركة حيث تتم عملية حساب أنشطتها لأستخراج نسب عاملياتها الغير مطابقة للشريعة إن كانت لديها, فهناك آليات للمسح يضيق الحديث من ذكرها. ولكن ومن دون الغوص في التفاصيل ,وبيان الفروق بين المعايير المتبعة عالميا نذكر على سبيل المثال لا الحصر معيار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ( AAOIFI) -وهو من أشهرها ومن أكثر ماهو متفق عليه عالميا- ومعيار داوجونزو( Dow Jones) ومعيار هيئة الأوراق المالية المليزية (Security Commission Malaysia) وغيرهم.

 

أما من ناحية إصدار السندات الإسلامية أو ما أصبح متعارف عليه عالميا باالصكوك فلا بد من إصدار هذه السندات علي أساس عقد من العقود الإسلامية المتبعة لإصدار الصكوك.ومن أشهر إصدارات الصكوك اليوم ما يصدر على أساس عقد الإجارة.

 

من ناحية التداول في السوق الثانية:

إن تداول الأسهم الشرعية أي أسهم الشراكات التي تتعامل طبقا للشريعة الاسلامية لا يطرح إشكالا كبيرة نظرا لكونه يتم عن طريق عقد بيع وشراء أسهم ثم إن عملية البيع والشراء هذه قد تتكرر في سوق التداول ولا إشكال شرعي في ذلك. غير أن الشركة يجب أ ن تبقي تحت المراقبة من طرف هيئة الأوراق المالية في حالة ما غيرت إلي أنشطة غير شرعية فقد تتعدي النسب المسموح بها و تخرج عن كونها شركة يمكن أن تتداول أسهمها كأسهم إسلامية.

 

أما مايتعلق بتداول السندات في السوق الثانية فمازال يطرح الكثير من الإشكاليات الشرعية للمهتمين بتطوير الصناعة المالية الإسلامية نظرا لكونها في العادة مبنية على عقود تتولد عنها ديون و من المعروف أن بيع الدين لا يجوز شرعا, غير أن السندات المبنية علي أساس عقد الإجارة لها نصيب أقل من هذه الإشكاليات لأن عملية التداول تتم على أساس بيع وشراء الأصول المؤجرة.

 

كيف يتم بناء أساسيات سوق أوراق مالية لموريتانيا ؟

إن إنشاء سوق كهذا يتطلب إرادة حكومية تتجسد في إطلاق برنامج شامل(comprehensive program), من خلاله يتم تطوير إطار قانوني و إنشاء مؤسسات تمثل دور المراقب و الضامن لعمل هذه السوق مما يطمئن المتعاملين بها. إن إطلاق برنامج لإنشاء هذا السوق يجب أن يحمل في أجندته إطلاق عدة مشاريع(Several projects.) تتم في إطار البرنامج العام نذكر منها النقاط التالية:

 

إطلاق مشروع لإنشاء هيئة أوراق مالية مكلفة بتنظيم وتسيير ومراقبة سوق الأوراق المالية, هذه الهيئة تتمثل مهمتها الأساسية في خلق جو أستثماري أساسه الشفافية و حماية المستثمرين. والحديث عن سوق أوراق مالي إسلامي يتطلب أن تضم هيئه الأوراق المالية هذه مجلس شرعي أستشاري تناط به مهمة إبداء الاستشارة الشرعية من أجل ضمان موافقة عمليات البيع والشراء للشريعة الإسلامية.

 

إنشاء سوق أوراق مالي إسلامي أو بورصة من خلاله يتم بيع وشراء السندات والأسهم وغيرها مما قد يطرح للبيع ويتوافق مع الشريعة الإسلامية. إن عملية التداول في هذا السوق تختلف عن عمليات التداول في السوق العادي مما يحتم الأستفادة من التجارب الناجحة كالتجربة المليزية في إنشاء " بورصة سوق السلع " والتجربة البحرينية في التداولات الإسلامية والتي تتم في بورصة البحرين. إن هذا السوق سيمكن البنوك السلامية وحتي غير الإسلامية من الولوج إلى أدوات مالية قصيرة الأجل قد تساعدهم على إدارة السيولة وتقليل المخاطر من خلال توفير آلية ستمكنهم من الإستدانة من بعضهم البعض في إطار أكثر فعالية وأقل خطورة.  

 

القيام بوضع خطة إستراتيجة واضحة المعالم ومحكومة بجدول زمني من أجل تطوير هذا السوق و إدخال التحسينات عليه تبعا لفترات معينة , كالقيام بوضع خطة رقم 1(Master Plan number one). و تكون مثلا لخمس سنوات ثم تليها الخطة رقم أثنين و هكذا ,  ولكن من المهم جدا الوضوع في الرؤية والأهداف مع الأخذ بالأعتبار الوضعية الحالية للسوق و الآفاق المتاحة.

 

كسب ثقة المستثمرين من خلال إدخال تسحسينات علي الجانب القضائي و تدريب قضات متخصصين و قادرين على فهم عمل السوق وسير مجرياتها.  إن خطوة كهذه قد تساعد في جلب عدد أكبر من المتعاملين بهذه السوق مما يضمن لها حيوية و فعالية أكثر.

 

تكوين كادر بشري قادر على إدارة  مؤسسات هذه السوق وأبتكار آليات لتطويرها و لنهوض بها, إن تكوين هذ الكادر قد يكون من خلال التعاون مع أسواق لها تجربة يمكن الأستفادة منها في الحالة الموريتانية.

 

قد يطرح سؤال حول البنية المؤسساتية لهذ السوق من حيث التبعية الإدارية , لذلك نقول في العادة الهرم المؤسساتي لإنشاء سوق كهذه تترأسه وزارة المالية حيث تتبع لها هيئة الأوراق المالية, الضامن لتنظيم وتسيير سوق الأوراق المالية، ولكن قد يكون من الأجدى في الحالة الموريتانية أن يوكل بمهمة تنظيم وتسيير هذه السوق للبنك المركزي  نظرا لعامل الخبرة في تنظيم المؤسسات المالية. حيث تكون هيئة الأوراق المالية لهذ السوق من ضمن إداراته ولو لحين. حتي يتطلب الأمر تخصص أكثر.