حكاية الفقر في الدول الإسلامية

اثنين, 2015-10-26 09:59
الدكتور الهادي بن محمد المختار النحوي خبير في البنك الاسلامي للتنمية

تمهيد

 

الفقر من أخطر الأمراض ,والتحديات في حياة البشر . والفقر لا يسلم عصر منه لكن هل يعني ذلك أنه قدر لا سبيل لمواجهته ، وهل الإنسان هو الذي يغني نفسه أو يفقرها ؟

ولماذا الفقر ينتشر أكثر ما ينتشر في العالم الإسلامي ؟

وما هي أسبابه ؟هل هي ندرة الموارد أو قلتها أم هو بسبب سوء توزيع الثروة ؟ ,وهل يمكن علاجه ؟ وهل الفقر فقر قلة ذات اليد أم له مظاهر أخرى ؟

ولماذا نجحت بعض الأمم والدول والأفراد في الخروج من الفقر إلى حياة الرفاه والعزة والكرامة ولماذا بقيت دول أخرى في مستنقعات الفقر والتخلف والجهل ؟ وهل الفقر يجلب معه مصائب أخرى ؟

هذا ما سنحاول التعرض له ومناقشته في هذه الفقرات

تعاني معظمُ المناطقِ في العالم اليوم ومنها معظم بلداننا الإسلامية من كثير من الأمراض والآفات الخطيرة التي تهدد حياة الإنسان وتسلب الأمم كرامتها وعزتها ويأتي في مقدمة تلك الآفات الفقر الذي أصبح ضيفا ملازما لكثير من بيوت المسلمين اليوم.

فالمسلمون يمثلون حوالي20%من سكان المعمورة؛ ولكن أكثر من 40% من فقراء العالم ينتمون إلى الدول الإسلامية ,ذلكم هو الفقر الذي كاد أن يكون كفراً، واستعاذ منه خير البرية صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وكان يعلَّم أصحابَه أن (تَعوَّذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تَظِلمَ أو تُظلمَ) وورد في صيغة أخرى ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم والقسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة، وأعوذ بك من الفقر والكفر والفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسوء الأسقام."

إنه لعار أن يكون في مجتمعنا المسلم هذه الأعداد الكبيرة من الفقراء وبين أيدينا هذه السنة التي ورثناها من سيد الأنبياء عليه صلوات الله وسلامه.

إن تراثنا الحضاري الإسلامي زاخر بالأفكار والممارسات الهادفة والمبشرة بمستقبل زاهر إن هي طبقت أحسن تطبيق وإن في تعاليم الأمس وممارسات الأسلاف ذخراً كفيلاً بتحدي الفقر اليوم وتحقيق الرخاء في عالم الغد، فطوبى لحضارة قامت على العدل وجعلت العطاء حقا من حقوق الإنسان، وجوازاً إلى سعادة أبدية لا تنقطع وأكرم بشريعة جعلت الإيثار من أفضل القربات ولا يتأتى ذلك كله إلا بتهذيب النفوس ونشر المحبة والألفة بين الخلق والكف عن الظلم والجور ومن أجل ذلك جاءت رسالة الإسلام العظيمة..

إننا نرى الأزمات المالية العالمية اليوم تعصر موازنات الحكومات وتجفيف منابع الصرف على المشاريع الاجتماعية ورعاية الفقراء والمحتاجين ويتجسد ذلك الظلم أكثر ما يتجسد في الديون التي تتراكم على الفقراء ويمتص بها الأغنياء قوت الفقراء لدرجة أن بعض الدول مدينة بضعف ناتجها المحلي وربما أكثر.

 

الفقر في العالم الإسلامي صناعة غربية

 

رتع الغرب خلال فترة استعماره للعالم الإسلامي في الثروات فنهب وسرق وأجدب الأرض وأحكم حلقات الفقر بالتجهيل وسقاه بالفتن ورعاه بالمؤامرات وباع وهم المساعدات مدعيا أنه يقدم العون والدعم لدول العالم الثالث فزادهم فقرا بقروض صممت لذلك الغرض، فشد وثاق هذه الدول باتفاقيات ثنائية عنوانها الظاهر المساعدة وحقيقتها هي خنق الاقتصاد وربط ما تبقى منه بالدول الغربية ,وما لم تتمكن منه هذه الاتفاقيات تكمله المؤسسات الدولية الغربية المتخصصة في تجفيف الموارد فحال مساعداتها للدول الفقيرة هي أقرب إلى حال المغذي الذي يحافظ للجسم على الحد الأدنى من الطاقة دون أن يمنحه الشفاء أو مثل المسكن الذي يهدأ ثورة الآلام لكنه لا يعالج جوهر المشكلة بل ربما زادها تفاقما حتى وصلت هذه الدول إلى مرحلة "ما لجرح بميت إيلام..".

فالدول الفقيرة تكبلها الدول الغربية باتفاقياتها التي تنهك اقتصادها فينهشها الخبراء وتمتصها الفوائد فيعجز البلد المدين عن سداد الفوائد ،أحرى رأس المال حتى وصلت بعض الدول إلى حالة الإفلاس أو أصبحت في دائرة الدول الفاشلة.

هذا فضلا عن المراحل التمهيدية لهذه القروض من الدراسات والاستشارات التي تستنزف الكثير من الأموال من هذه الدول الفقيرة.

وليت الغرب سمع ما قاله الخبير بل فوجهان : "من الأفضل أن يمنح الفقراء نصف المبالغ التي تصرف على دراسة أحوالهم. "

It would be nice if the poor were to get even half of the money that is spent in

studying them.

وبذلك يرسخ الغرب في القرنين العشرين والحادي والعشرين عبودية العصر المتمثلة في الاسترقاق المالي والتبعية الاقتصادية مع الإلغاء الكامل للسيادة وإن كانت الأمور في الظاهر قد توحي بغير ذلك من باب ذر الرماد في العيون.

أما الاستبداد فقد كان وكيلا صادقا ومخلصا لإفقار الشعوب وتجهيلها فأنجز المهمة بأروع ( أسوإ) ما يكون.

 

الفقر ليس قدرا

 

في أكثر من موضع من القرآن الكريم قدر اللـه الأرزاق وضمنها لخلقه، وفي موضع واحد وعد الشيطان بني آدم بالفقر ((الشيطان يعدكم الفقر) .فتبع الإنسان الشيطان بعد أن زين له الظلم وحبب إليه جمع المال وتكديس الثروة (( وإنه لحب الخير لشديد)) وعصى ربه وسلك طريق الغواية وتنكب منهج الهدى فحصد الضلال والفقر والفتن وسفك الدماء وما علم أن ثروة الأرض تكفيه إن هو كف يده عن الظلم.

وعندما ساد العدل شهدت الحضارة الإسلامية -أياماً يتجول فيها المتصدق، لا يجد من يأخذ منه صدقته، أيام كان ينثر فيها القمح على رؤوس الجبال لإطعام الطيور.

فالفقر إذن ليس قدرا للأفراد ولا للشعوب أحرى الدول بله الأمم . والحياة تعلمنا ، وهي أفضل مدرسة، أن شعوبا وأمما بل وأفرادا نفضوا عنهم غبار الذل والهوان وانطلقوا وبنوا حضارات وحولوا الفقر غنى والذل عزة وكرامة والهزيمة نصرا ، فاليابان، مثلا ، من أقل بلدان الدنيا موارد وفد تربعت اليوم على عرش التكنلوجيا بعد أن بلغت ذروة النمو الاقتصادي وكذلك ألمانيا وقد حصدتا الذل والهوان وذاقتا مرارة الهزيمة في الحرب العالمية الثانية وحذت حذوهما دول صغيرة في حجمها الجغرافي لكنها كبرت بنهضتها التنموية وثقلها الحضاري مثل سنغفورة وكوريا الجنوبية..

فهل الياباني أو الألماني أو الكوري أكثر ذكاء أو أقدر على العطاء من العربي والمسلم؟

إن الشعوب التي نهضت من وسط الركام وانتفضت من أتون الهزائم تسلحت بالعزيمة ووظفت العقل التوظيف الصحيح .

فما الذي يمنع الإنسان العربي والمسلم من النهوض وبناء الحضارة ؟

يقول يوسف السباعي واصفا حال الشعب المصري وهذا - ينطبق على معظم الشعوب العربية والإسلامية- : "هذا الشعب لا بد أن يكون أحد اثنين : شعب يكره نفسه لأنه رغم ما يشيعون عنه من أنه مصدر للسلطات يأبى أن يصلح حاله ويعالج مصابه ويزيل عن نفسه ذلك القيد الثقيل من الفقر والجهل والمرض .. وإما أنه شعب زاهد قد تعود ذلك البؤس الذي يرتع فيه والحرمان الذي يأخذ بخناقه. - "

وعلى مستوى الأفراد فكم من شخص بسيط بلا رأس مال شق طريقه بهمة وعزيمة وبنى ثروة لم تسطع دول كبيرة أن تضاهيه ـ لأنه فكر وقرر الخروج من أسر الفقر والتخلف معتمدا على المتاح من الموارد مهما كان ضئيلا بعد أن تسلح بالعزيمة الصادقة والإرادة الصلبة.

ورأسمال الفقير بسيط ولا يحتاج لمؤتمر للمانحين ( المانعين ) إنما هو سواعد سليمة وصحة مع عافية وأمن وأمان مع قوت يوم.

يقول المثل الفرنسي : يبني الفقير حياته المريحة بصحته وساعديه .

Deux bras et la santé font le pauvre aisé."

وهذا المعنى سبقت له سنة نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أصبح منكم آمناً في سربه ، معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بأسرها ) ؟

وهذا الحديث لا يعني التوقف وترك العمل بل هو دعوة للعمل والإنتاج ، فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف،والإنسان استخلف في الأرض لإعمارها ومعنى الاستخلاف يتجسد في العمل والإنتاج والبناء ، فالإنسان مطالب بالعمل في جميع أحواله فقد ورد في الحديث قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا ) .

 

أما الاعتماد على الآخرين فلن يخرج بلدا ولا أمة ولا شعبا من الفقر ولا من ضنك العيش ولا من التخلف ولعل في قصيدة لا فونتن ( النملة والصرصور la cigale et la fourmi ) من المعنى والطرافة ما يؤكد ذلك.:

 

"ندرة"الموارد

 

يتحدث الاقتصاديون عن الندرة – ندرة الموارد ويحذرون من الانفجار السكاني وبعض الدول قننت نظام الإنجاب وكأن المسألة مسألة عدم كفاية الموارد لإطعام البشر ونسى هؤلاء قوله تعالى (( وما من دابة في الأرض إلا على رزقها)).

وحتى لا يكون الكلام من باب التنظير لنتذكر أن العالم أنفق عام 2010م 1,6 ترليون دولار على تجارة الأسلحة ، كانت حصة العرب منها حوالي 115 مليار دولار في حين بلغت حصتهم من شراء السلاح 165 مليار عام 2013م .

أما ميزانية الدفاع الأمريكية فكانت لسنوات خلت تقدر ب حوالي 600 مليار دولار وربما تكون بلغت الآن حوالي الترليون..

 

ولا ننسى أيضا أن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 5 ترليون دولار على حربيها على العراق وأفغانستان . فأهدرت كل هذه الأموال والموارد بسخاء لتدمير هذين البلدين .

هذه الأرقام الفلكية من أراد أن يفهمها بصورة أوضح فليتذكر أن العالم بكل منظماته ومانحيه ودوله عجز عام 2010م عن جمع 2.5 مليار لإطعام حوالي 7 مليون صومالي أصابتهم المجاعة وأن الولايات تبرعت -أو أعلنت ذلك – ب 28 مليون دولار لمجاعة الصومال وتبرعت قبل ذلك بحوالي 350 مليون دولار لضحايا إعصار سونامي .

ولا نغفل أن العالم يصرف سنويا على الدخان أكثر من 200 مليار دولار .

 

فالمسألة هي الغبن وغياب العدل وسوء توزيع الثروة ، فحسب بعض الإحصائيات فإن 80% من موارد العالم يسيطر عليها 20% من سكان العالم بينما يتقاسم 80% من السكان ال20% المتبقية وهذه النسبة أيضا موزعة بصورة غير عادلة..

لذلك اصبحنا أمام معادلة أساسها التناقض فأهل الشمال يزدادون غنى لأن أهل الجنوب يزدادون فقرا أو بعبارة أوضح فإن غنى أولئك لا يزيد إلا بإفقار هؤلاء.

يقول أحد الكتاب : "إن الفقراء فقراء لأن الأغنياء أغنياء "

The poor are poor because the rich are rich

وفي هذا المعنى يقول الشيخ الشعراوي :"إذا وجدت مسلما فقيرا فاعلم أن مسلما آخر أخذ ماله ".

فالفقر الذي نشاهد في العالم اليوم والعالم الإسلامي على وجه التحديد مصدره الظلم والغبن .

لكن الفقر ليس قلة ذات اليد بل هو بؤس التفكير وتثبيط الهمم ودفن المواهب وجمود العقل والاستسلام للواقع والخوف من الجديد والعجز عن التطوير وتفويت فرص الإبداع وتهيب التغيير وغياب التخطيط والرضا بالتبعية.

 

الفقر محفز للإبداع

 

قالت العرب قديما : "القناعة كنز لا يفنى" وهي فعلا كذلك إن كانت قناعة النفوس ورضا القلوب بما قسم الله والاطمئنان للنتائج بعد بذل الجهد ، أما القناعة التي تؤدي إلى السكون والارتخاء وترك المبادرات وعدم الأخذ بالأسباب فهي عجز ووهم .

ومن يتهيب صعود الجبال **يعش أبد الدهر بين الحفر

 

الحفاظ على النعمة حصانة ضد الفقر

 

يسرف يعض الناس ويبذرون النعم ويقصرون في حمد وشكر المنعم ولا يشعرون بعظم النعم إلا بعد زوالها. يقول المثل الفرنسي : إن من يرمي النعمة ضاحكا لا يبالي سيجمعها لاحقا باكيا نادما.

"Celui qui jette son pain en riant le ramasse plus tard en pleurant

فأيهما أفضل أن يغتني الإنسان بعد فقر لكن بجهد وعرق أم يفتقر بعد غنى بسبب تبذير وإسراف ؟

Mieux vaut devenir riche après avoir été pauvre, que de devenir pauvre après avoir" été riche."

فما أصعب السقوط بعد الصعود والإرتقاء.

Plus on s'élève et plus dure sera la chute."

 

كيف السبيل للتحرر من الفقر ؟

 

إذا أوقف العالم الحروب وصناعة السلاح وإنتاج المواد الضارة وأعاد النظر في النظام المالي العالمي القائم على الربا الذي هو أساس الغبن والظلم والحيف الذي وعد الله آكله بالحرب وكذلك أعاد بناء النظام السياسي العالمي القائم على سيطرة وتحكم القوي في الضيف وراجع أسس النظام القانوني العالمي القائم على الانتقاء ومحاسبة الضعيف وترك الظالم القوي ومنحه الحصانة ، فإن كل سكان الكرة الأرضية سينعمون بحياة كريمة ينتقل فيه الفقير من البؤس والحرمان إلى حياة الرفاه والأمان .

وذلك بعد أن توجه الموارد لمكافحة الفقر وبناء التنمية ،إذ أن الإنفاق على محاربة الفقر أقل كلفة من الإنفاق على الحروب والنزاعات.فمكافحة الفقر وجه من أوجه العدل ، ثماره الأمن والاستقرار والإنفاق على الحروب حصاده الدمار والقتل والتشريد..

 

لأن الفقر ببساطة هو صنو الكفر والفوضى والفتن وهو "أصل الثورة والجريمة". كما يقول أرسطو

قال تعالى :((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ))

إن نشر العدالة وإنهاء الحروب والبعد عن الشره والتعامل وفق القيم وبفطرة سوية لهي من أفضل وأنجع وسائل محاربة الفقر وتوزيع الثروة وتعزيز اللحمة الاجتماعية وضمان توفير الحياة الكريمة لأبناء الأمة بل وللإنسانية كلها وتلبية الحاجات الأساسية وفق حدودها الثلاثة كما عبر عنها بعض المقاصديين ,حد الكفاف وحد الكفاية وحد النعيم أو بعباراتهم الأخرى هي توفير ضروريات الإنسان وحاجياته مع التحسينيات ومكملاتها .

وإذا نجحت الأمة بجهود مشتركة في إقامة العدل ورسخنا قيم المساواة وتكافؤ الفرص وتوجهنا للعمل الجاد فكم سنفك من عزلة موحشة عن أفراد ومجموعات بل ودول تعيش في نسيان شرود وكم من مهالك سنبعد وكم من مضار سندفع وكم من فتنة سنخمد وكم من المصالح سنجلب.

وهذه هي أسس التنمية المستدامة ومراقي البناء الحضاري وممهدات بناء النظام السياسي المتعدد العادل ، أما بناءه قبل توفير تلك الممهدات فهو من العبث وتضييع البوصلة قال الإمام الشافعي : " لا تستشر من ليس في بيته دقيق".

فمن بنى على هذا النحو فكأنما بنى للأمة دوحة مثمرة تلقي بظلال أفنانها على فقير فتطعمه وتكسيه وتعلمه وتداويه وتوفر له الملبس والمسكن الذي يقيه تعاور أحوال المناخ ومضاره وتكسبه حرفة ودربة عن ذلة السؤال تغنيه وعلى دول مستضعفة تحررها من ربقة المديونية وذل التبعية الاقتصادية وتخرجها من دائرة التخلف وتنهض بها على طريق الحضارة وتهيأ لها مقومات السيادة والاستقلال.

وحين تطيب ثمار العدالة وتبرد ظلالها ويستظل الجميع بظلالها عندها يطوى بساط البؤس والحرمان والشقاء وتنبعث التنمية والحياة الكريمة من رماد الفقر والتخلف ويصبح الفقر جزءا من التاريخ ويعم الرخاء والرفاه ويسود الأمن والأمان وتشيد الحضارة وتتكامل السيادة.

وإذا كان الفقر من أبرز التحديات التي تواجهها الحياة البشرية فإن أخطر أنواعه إنما هو الفقر الحضاري وفقر القيم ومحاذرة التجديد وتهيب الإبداع وقتل المواهب والاستلام للواقع والخوف من التغيير..

وإنك لتعجب من أمة بعث فيها خاتم الرسل عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم فتركها على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، كيف لهذه الأمة ،خير أمة أخرجت للناس، أن تعاني فقر القيم والفقر الحضاري وهي التي بنت أعظم حضارة عبر التاريخ ..

فحال الأمة وفقرها القيمي مثل عطش العيس وهي تحمل الماء :

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ **والماء فوق ظهورها محمول>