نعي الخلود ،، محمد عبد الله لحبيب

-A A +A
اثنين, 2015-11-09 09:08

رفض اتحاد الأدباء والكتاب العراقي نعي الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد شبيه بإجابة إحدى فناناتنا عندما سئلت يوم رحيل نزار قباني عما ذا يعني لها؟ فأجابت بأن المرحوم كان يكتب الشعر الحر فقط، وهي لم "تقن" له [أبدلت الغين قافا].

التنكر للتاريخ، شيء لا يضير روحا، لو سئلت لما قبلت أن ينعاها اتحاد أدباء تسيطر عليه نخبة بريمر.

لا يحتاج أمثال عبد الرزاق إلى نعي لأنهم لا يموتون.. لا يشيخون حتى!. لن يموت عبد الواحد حتى تموت بغداد. والمقترنون باسمها لا يعرفهم الموت، ولا يعرفونه، إنهم ينتقلون بحسنات كبيرات أو ببوائق ذنوب، لكن أسماءهم تخلد على صخرة الأيام نقشا.. دجلة منبع للخلود، والفرات، بلسم لمقاومة الرحيل.. وقد سمر على ضفافهما عبد الواحد... وكانت الرصافة معبره إلى جسر الحياة.

هذه مجرد شيبة جديدة تنعل رؤوسنا من بغداد التي ابيض من الحزن شعر عبد الواحد، وهو يعالج لواعج همومها.

ناغى عبد الواحد أطياف الموت زمنا في بغداد، وهاتف جنها،  وسامر سعالها، فنقش اسمه إلى جانب العراق هناك في صفحات حمرين، والألفاف، وسنام، وقرة داغ.. لن يزول حتى تزول هذه الجبال..

جداول ذي قار، والزاب، والأبلة... كلها ترقرق بذكر عبد الواحد..

هل نعى اتحاد الكتاب الرشيد، أم معن ابن زايدة، أم شيخ شيبان هانئ بن مسعود، وهل نعى مروان بن أبي حفصة، وأبا نواس، وأبا تمام، وهل نعى المعتصم والمتنبي، وأحمد بن حنبل... هل أسال قطرة مداد في نعي صدام حسين... والجواهري، والسياب، ونازك... يا  أسفاه!!.

 بل هل نعى العراق؟ لا، لا، لا يضرك وأنت في مستقر خلودك في الآذان، وبين الجوانح، وهنا في احتراق القواقي، مخلد، لا يضيرك، أن مشنقة الفارسي لم تطلك، فأوكل إلى اتحاده ركل جثتك.

المربد يا سيدي ترتج جنابته بالنوحى؛ ليلى الأخيلية والعامرية، هند وسلمى، وأروى وريا والمنى، والنوار... يشققن الخدود والجيوب. والمستأجرة تغني للمالكي والعبادي، وبريمر وقاسمي.

حتى الجواهري كذبوا نبوته؛ تعسا لهم. لم يعد الجهابذ في قتل على عمد، جهابذ في صوغ التآبين.! ضاعت منهم الملكات لأنهم أصبحوا يسرقون القتل، باندساس بين مصلين، أو ندامى، أو مصطفين على محل حلوى.

لا تأس فصبرك يا جمل، يغنيك عن تآبين الثعابين.. اشرب قهوة قمرك الفضي، وانعله خصيفا من بوح الشجى، فقد شاب أبناؤك في انتظار ارتقائك سلم الخلود.. 

لقد عاف دنياك الشعر، ورثتك في بغداد مآذن وصلبان، وبيع وحانات، ستبكيك بغداد بإسلامها، وكفرها، بطهرها، بمائها، بضوئها، بشعرها، ستبكيك الكوفة، والبصرة، وهي ما عادت كوفة ولا بصرة، لكن بغداد هي بغدادك.. والرصافة رصافتك، والفرات مسرى أوجاعك وأشعارك.

غنِّ سلافك قبل أن يشيخ فيك موتك، ورتل عليهم من مآذن البوح آيا من أسفار الخلود التي حملتها، وهي الآن تحمل اسمك إلى عسيب لتنقشه في السطر أسفل ذي القروح.. القافية تنعاك، وأنت الخالد، إلى جانب الفصاحة والبلاغة والشعر. والعرب.