هل تنبأ نزار بحاضرنا ؟!ّ

-A A +A
ثلاثاء, 2015-11-10 08:44
الكاتب : أعل صالح ولد أكليب

في عام 1985، ألقى الشاعر السوري الكبير نزار قباني قصيدة «مواطنون دونما وطن»، في مهرجان «المربد الخامس ببغداد»، الذي حضره كبار الدولة العراقية آنذاك.                                                                                                                        

نزار فاجأ الجميع، ولم يسر على خطى سابقيه من الشعراء الذين ألقوا بأشعار مدح في النظام العراقي، وقد استفز قباني الوزير والمسؤولين الحضور، عندما وصل للمقطع « في مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الآداب»، وأشار بيديه إلى كل الشعراء والمسئولين الجالسين في الصف الأمامي.

 

»كل حاكم يبيعنا ويقبض الثمن.. نحن جوارى القصر.. يرسلوننا من حجرة لحجرة.. من قبضة لقبضة.. من مالك لمالك ومن وثن إلى وثن.. نركض كالكلاب كل ليلة.. نبحث عن قبيلة تقبلنا.. نبحث عن ستارة تسترنا.. وعن سكن.. وحولنا أولادنا.. احدودبت ظهورهم وشاخوا.. وهم يفتشون في المعاجم القديمة.. عن جنة نظيرة.. عن كذبة كبيرة.. تدعى الوطن«.في المقطع السابق رسم نزار قباني، صورة لما يحدث في بلادنا من تبادل الحكام الذين لا يعرفون إلا لغة القوة، هم السادة ونحن العبيد، فما نحن إلا جواري، في أنظمة لا تعرف طريقا للعدالة الاجتماعية، يزداد فيها الغني غنى، والفقير فقرا، ونحن نرقد كالكلاب بحثا عن لقمة عيش، ننام خلف ستارة مخترقة من عيونهم التي تأبى أن تتركنا وحدنا. 

 

باح الشاعر السوري بما يخافه العرب «يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهية.. يا كرة النار التي تسير نحو الهاوية.. يا وطنى المكسور مثل عشبة الخريف.. مقتلعون نحن كالأشجار من مكاننا.. مهجرون من أمانينا وذكرياتنا.. عيوننا تخاف من أصواتنا.. حكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق في عروقهم.. ونحن نسل الجارية.<<

الوطن هش أبناءه كرهوا فيه الظلم والتكميم، كرهوا فيه أن يظلوا نسل جواري،رفضوا أن يكونواعصافيرا بلا أجنحة,صقورا بلا عيون,ببغاوات تردد خطاب السلطان,تمردوا على وطن لا يحصد ثماره سوى العسكر والملوك وأبناءهم، أما نحن فمطرودين مقهورين، لا مكان لنا سوى الحظيرة.  

ضاقت الارض وما عادت تسع أحلام شبابها، فضلوا الهجرة إلى خيال أوسع رحابة، «يا وطنى..كل العصافير لها منازل.. إلا العصافير التي تحترف الحرية.. فهى تموت خارج الأوطان»، المعارضة مكتومة في بلدي لا صوت يعلو فوق المسبحين بحمد السلطان، أما الشرفاء، و أصحاب المبادئ ، و الصامدون ضد ظلم و فساد السلطان فمصيرهم  السجن أو الموت خارج الأوطان. 

 

القصيدة عبرت عن لسان حال المجتمعات العربية وإن تغيرت الأساليب فلم نعد نرى إلا صور الدمار تعصف بكل شيئ حتى الكلمة.                                                                                                

 

(القصيدة)

مواطنون دونما وطنمطاردون كالعصافير على خرائط الزمنمسافرون دون أوراق ..وموتى دونما كفننحن بغايا العصركل حاكم يبيعنا ويقبض الثمننحن جوارى القصريرسلوننا من حجرة لحجرةمن قبضة لقبضةمن مالك لمالكومن وثن إلى وثننركض كالكلاب كل ليلةمن عدن لطنجةومن عدن الى طنجةنبحث عن قبيلة تقبلنانبحث عن ستارة تسترناوعن سكن.......وحولنا أولادنااحدودبت ظهورهم وشاخواوهم يفتشون في المعاجم القديمةعن جنة نظيرةعن كذبة كبيرة ... كبيرةتدعى الوطن***************مواطنون نحن فى مدائن البكاءقهوتنا مصنوعة من دم كربلاءحنطتنا معجونة بلحم كربلاءطعامنا ..شرابناعاداتنا ..راياتنازهورنا ..قبورناجلودنا مختومة بختم كربلاءلا أحد يعرفنا فى هذه الصحراءلا نخلة.. ولا ناقةلا وتد ..ولا حجرلا هند ..لا عفراءأوراقنا مريبةأفكارنا غريبةأسماؤنا لا تشبه الأسماءفلا الذين يشربون النفط يعرفونناولا الذين يشربون الدمع والشقاء***معتقلون داخل النص الذى يكتبه حكامنامعتقلون داخل الدين كما فسره إمامنامعتقلون داخل الحزن ..وأحلى ما بنا أحزاننامراقبون نحن فى المقهى ..وفى البيتوفى أرحام أمهاتنا !!حيث تلفتنا وجدنا المخبر السرى فى انتظارنايشرب من قهوتناينام فى فراشنايعبث فى بريدناينكش فى أوراقنايدخل فى أنوفنايخرج من سعالنالساننا ..مقطوعورأسنا ..مقطوعوخبزنا مبلل بالخوف والدموعإذا تظلمنا إلى حامى الحمىقيل لنا : ممنـــوعوإذا تضرعنا إلى رب السماقيل لنا : ممنوعوإن هتفنا .. يا رسول الله كن فى عوننايعطوننا تأشيرة من غير ما رجوعوإن طلبنا قلماً لنكتب القصيدة الأخيرةأو نكتب الوصية الأخيرةقبيل أن نموت شنقاًغيروا الموضوع******************************يا وطنى المصلوب فوق حائط الكراهيةيا كرة النار التى تسير نحو الهاويةلا أحد من مضر .. أو من بنى ثقيفأعطى لهذا الوطن الغارق بالنزيفزجاجة من دمهأو بوله الشريفلا أحد على امتداد هذه العباءة المرقعة**********أهداك يوماً معطفاً أو قبعةيا وطنى المكسور مثل عشبة الخريفمقتلعون نحن كالأشجار من مكاننامهجرون من أمانينا وذكرياتناعيوننا تخاف من أصواتناحكامنا آلهة يجرى الدم الأزرق فى عروقهمونحن نسل الجاريةلا سادة الحجاز يعرفوننا .. ولا رعاع الباديةولا أبو الطيب يستضيفنا .. ولا أبو العتاهيةإذا مضى طاغيةسلمنا لطاغية*************************مهاجرون نحن من مرافئ التعبلا أحد يريدنامن بحر بيروت إلى بحر العربلا الفاطميون ... ولا القرامطةولا المماليك … ولا البرامكةولا الشياطين ... ولا الملائكةلا أحد يريدنالا أحد يقرؤنافى مدن الملح التى تذبح فى العام ملايين الكتبلا أحد يقرؤنافى مدن صارت بها مباحث الدولة عرّاب الأدب********************مسافرون نحن فى سفينة الأحزانقائدنا مرتزقوشيخنا قرصانمكومون داخل الأقفاص كالجرذانلا مرفأ يقبلنالا حانة تقبلناكل الجوازات التى نحملهاأصدرها الشيطانكل الكتابات التى نكتبهالا تعجب السلطان*****************مسافرون خارج الزمان والمكانمسافرون ضيعوا نقودهم .. وضيعوا متاعهم !!ضيعوا أبناءهم .. وضيعوا أسماءهم ... وضيعوا إنتماءهموضيعوا الإحساس بالأمانفلا بنو هاشم يعرفوننا .. ولا بنو قحطانولا بنو ربيعة .. ولا بنو شيبانولا بنو ' لينين ' يعرفوننا .. ولا بنو ' ريجان 'يا وطني .. كل العصافير لها منازلإلا العصافير التى تحترف الحرية

فهى تموت خارج الأوطان.

 

أيها الشاعر الدمشقي الأمير...الشام لم تعد كما وصفتها في رائعتك << ترصيع بالذهب على سيف دمشقي>> أنهر سبعة و حور عين و مرايا دمشق التي تعرف وجهك..تكسرت...غيرتها السنين.

وفي الختام أرجو أن تسمع دمشق نداءك........

 

مزقي يا دمشق خارطة الذل وقولي للـدهر كُن فيـكون

استردت أيامها بكِ بدرٌ        واستعادت شبابها حطينُ

كتب الله أن تكوني دمشقاً     بكِ يبدأ وينتهي التكويـنُ

إركبي الشمس يا دمشق حصاناً  ولك الله ... حـافظ و أميـنُ 

 

اللهم أحفظ الشام وأعد إليها الأمن والرخاء....و نجها من الحروب و الفتن و جميع بلاد المسلمين.

 

اللهم آمين