تَذْكِيرٌ بِـ "كِتَابِ التَّارِيخ"..

أحد, 2015-11-15 19:01
أحمد ولد عبد الله

قَبل أن يصل "مؤرخوا نفمبر" إلى ذروة نشاطهم الموسمي ـ عبر القنوات والمواقع، مع اقتراب عيد الإستقلال الوطني المجيد ـ أود التذكير بأنه في منتصف السبعينيات من القرن العشرين وُزِّعَ كتاب مدرسي للمرحلة الابتدائية باسم كتاب التاريخ..

 

أُلِّفَ الكتاب من طرف مجموعة من الأساتذة الموريتانيين، بمساعدة مستشارين تربويين مغاربة، وطبع في المملكة المغربية بإشراف رابطة التعاون الثقافي بين البلدين (على ما أذكر).. 

 

حوى الكتاب لمحات مهمة من التاريخ الموريتاني بحس وطني جياش، أرخت لفترة ما قبل الاحتلال الفرنسي (الإمارات الموريتانية)، ولمراحل دخول الاستعمار الفرنسي للبلاد، والمقاومة العسكرية التي بدأت من 1900 إلى 1934، والمقاومة الثقافية التي لم تهدأ، ثم المقاومة السياسية التي انطلقت مع تأسيس الأحزاب السياسية، وانتهت بالإستقلال..

 

عَرَّفَ الكتاب بأبطال المقاومة البارزين من مختلف مناطق البلاد، وبأشهر المعارك التي خاضوها ضد الاحتلال الفرنسي.. 

 

وتناول هذه المواضيع بأسلوب رصين مبسط، وبملخصات رائعة كنا نحفظها بسهولة في المرحلة الابتدائية، مع خرائط ورسوم توضيحية معبرة..

رَسَّخَ الكتاب في أذهاننا ونحن أطفال أن موريتانيا كانت وحدة ترابية واحدة إلى أن تقاسمها الاستعمار الفرنسي والاسباني سنة 1912، وأن المقاومة العسكرية جعلت من موريتانيا آخر دولة يتم احتلالها، وأن المقاومة الثقافية حمت هوية البلاد، ورفضت لغة المستعمر وحضارته..

كنا نعرف من خلال دروسنا في كتاب التاريخ أسماء أبطال المقاومة، وقواد المعارك، وتواريخ وقوع كل معركة ومكانها، إذ كنا نمتحن في ذلك..

ساهم الكتاب في تشكيل العقيدة الوطنية، وفي الوعي التاريخي لأجيال من الموريتانيين، ولا يزال كثير من الباحثين والمؤلفين يتناولون تاريخ تلك المرحلة إلى الآن وفق منهجية وبمصطلحات ذلك الكتاب..

لم يحمل الكتاب من الدعاية للسلطة السياسية التي وزعته إلا صورة للرئيس الأول الأستاذ المختار ولد داداه رحمة الله عليه على صفحته الأولى بعد الغلاف، لكن تلك الصورة كانت كفيلة بمحاصرته ابتداء من سنة 1978، مع أنه ظل موجودا في المدارس، وفي أيدي المعلمين إلى سنة 1995..

في مرحلة دراستي الابتدائية في الثمانينيات كان الكتاب يُدَرَّسُ لنا، لكن المدرسة تحتفظ بنسخه، فيتم توزيعها أثناء حصة التاريخ، ومع نهايتها يتم سحبها..

في سنة 1995 وبالتزامن مع أول حديث علني للرئيس الأول المختار ولد داداه رحمة الله عليه عن الشأن السياسي الموريتاني في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية، صدر قرار رسمي بمصادرة وجمع كل نسخ الكتاب من المدارس، وتناولت الصحف الورقية المستقلة وقتها هذا الموضوع ونشرته، ولله أعلم بمصير تلك النسخ بعد ذلك..

أعرفُ أن كثيرين من أبناء جيلي، والأجيال السابقة عليه، إضافة للمعلمين والمفتشين القدماء يعرفون هذا الكتاب جيدا، ويذكرونه..

وأعتقد أن الفراغ الناتج عن غياب مادته ساهم في خلو الجو لـ "مؤرخي نفمبر"، وفتح المجال لـ "تخليد بطولات المقاومة"..