للإصلاح كلمة تتعلق بطلب اللطف بالشعب الموريتاني

-A A +A
أربعاء, 2015-11-18 17:21
الأستاذ / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة اختارت أن تتوجه إلى المولى عز وجل طلبا للطف بالشعب الموريتاني بمناسبة عيد الاستقلال الخامس والخمسين، وبعد أن سمعت مع الأسف من بعض المواطنين الموريتانيين يتهجم على مؤسسي هذه الدولة، وأبدأ أولا: فأقول لهم باختصار إن الفرق بين المؤسسين آنذاك وغيرهم هو الفرق بين قيمة الأوقية آنذاك وقيمتها بعد ذلك وبين معنويات وطنية الموظف آنذاك والموظف بعد ذلك.

 

فالملاحظ أن الدولة ولدت ميلادا سليما رأسها قبل رجليها إلا أنها بعد سنين رشدها لم تتحول لتمشي على رجليها بل صارت كالطفل الذي يـتـعلم الألعاب البهلوانية فهو يسيـر على يديه ورأسه أسفل ورجلاه تـتـخبطان في السماء فوق جسمه لا يعرفان نوع الجسم الذي يحملها.

 

وبما أنني لصغر سني وبداوتي آنذاك لم أكن أعرف ما جرى ويجري في سنوات الاستقلال الداخلي والعشر الأولى من الاستـقلال ـ إلا أنني عندما دخلت الحياة الحضرية في العشر الثاني من الاستـقلال خارج موريتانيا ورجعت لها في آخر هذه العـشر الثانية من الاستـقلال أدركت أن الله قد أعطاها رجالا صالحين قـلبا وقالبا لتأسيس دولة لا يمكن لأي شخص يعرف شعبها وتركيبته العرقية والجهوية والقـبلية، أن يتصور أن تـتكون منها دولة ولاسيما أن تكون دولة بين عشية وضحاها تـتـنافس بفضل ضمير مؤسسيها وشجاعتهم وعفافهم وقناعتهم وحضارتهم ـ مع أقدم دولة في العالم.

 

ففي العشر الثاني من الاستقلال وعندما أدركت عن قرب كيف تسيـر تلك الدولة من طرف أولئك الرجال العظماء في سلوكهم وأخلاقهم ومختـلف أوصافهم لغة ولونا وهدفا فهم جميعا موريتانيون مخلصون لموريتانيا، حتى أنبتوها نباتا حسنا يحسدون عليه فقد أتاح لي المولى عز وجل بعد رجوعي من الخارج أن أبدأ العمل في الدولة آنذاك من مكان وزارات سيادتها: وزارة العـدل أولا ثم وزارة الداخلية ثانيا التي مكثت في العمل فيها مــدة 28 سنة شربت فيها حلوها الأول ومرها الأخير حتى تركتها سنة 2004 ما فيها من الحياة إلا ما يمنع تعفنها قبل الدفن.

 

وبتلك المناسبة فإني أعيذ أولئك الذين يتكلمون الآن في سلوك أولئك الرجال العمالقة الذين وهبهم الله في تلك الآونة نفوسا أبية عفيفة مخلصة وصادقة في قولها وفعلها إني أعيذ أولئك الذين عايشوهم على شاكلة من التفكير تخصهم.

 

فقد سمعتهم البارحة في القناة الثانية الموريتانية يلاحظون عليهم ويتكلمون فيهم بعدم الوطنية وغير ذلك من ما يذكر بضرب المثـل: أن الحي يغـلب ألف ميت، كما أنه يخيل إلي أثناء كلامهم في أولئك الرجال أني أنظر إليهم وهم يفعلون ما يفعله من يأكل من تحت يد الأعمى لعلمه بأنه لا يرى يده.

 

ألا فليعـلم أولئك الذين يتكلمون الآن ضد أصحاب الأيادي البيضاء والأفكار النقية المخلصة لموريتانيا الذين عاشوا تلك الحقبة من السنوات الذهبية الموريتانية أن العارفين بتلك الحقبة ما زال بعضهم أحياءا يستمعون إليهم وهم يتـكلمون بما يقولون ضد أولئك الذين منّ الله بهم على موريتانيا ساعة ميلادها حيث يعرق الجميع أنها ولدت وجميع من حولها يناصبها العداء.

 

فالمملكة المغربية تعتبرها جزءا منها والسنغال ومالي يؤيدون المغرب على ذلك وجميع الدول العربية (إلا تونس وحدها) لا تعترف بها،ومع ذلك يقول أولئك المتـكلمون أن الاستقلال جاء إلى موريتانيا على طبق من ذهب.

 

فمن هي موريتانيا آنذاك حتى يأتيها الاستقلال على طبق من ذهب: أرض شاسعة بدوية كلها، وسكانها كثير من الشعب المختـلـف في كل شيء: عرقا وعادات وتـقاليد بل نعرف جميعا أن كان فيها أمراء يعـتقدون أنهم أسياد في حوزتهم الترابية إلى آخر ما نعرف جميعا عن ذلك التاريخ المبهم.

 

وتحت هذه الصورة القاتمة بنيت موريتانيا بلا موارد ولا حضارة ولا ثقافة عصرية تساعد على البناء ولكن النفوس الأبية التي لا تريد ثراء من وراء البناء تستطيع أن تبني المستحيل.

 

فهم يقولون إن الرئيس آنذاك ـ رحمه الله ـ عند ما اعترف به المغرب عمد معه إلى تقسيم الصحراء وبعد ذلك قام بحربه ضد إخوان لنا طبعا، وأنه استدعى الطائرات الفرنسية لضرب أولئك الإخوة، هذه فبركة ومغالطة لا تستقيم عند تفكيكها.

 

إنه كلام صادر من عقيدة تخص صاحبها غير مبنية على الحقيقة، والواقع أن الإخوان الصحراويين جزء من هذا المجتمع البيظاني ووجودهم تحت الاستعمار الاسباني وموريتانيا تحت الاستعمار الفرنسي لا يفصلهم ذلك عن مجتمعهم الأسري اللغوي ذي الأرحام المتداخلة.

 

فبالنسبة لما قبل الاستقلال ما هو الفرق بين ساكنة تيرس زمور والداخلة ولعيون في الشمال والحوضين في الشرق واترارزة ولبراكنة في الغرب هذا شعب واحد فأراد الرئيس رحمه الله بحنكته أن يتفق مع المغرب حتى يكون على مقربة من الشعب الصحراوي وعندئذ سوف يكون الالتحام الداخلي أقوى من الحدود السياسية، وعندما قامت الجزائر بما قامت به والذي لم يكن في الحسبان وهي طبعا أقوى من موريتانيا التي لا تملك إلا شرف نفوس المسؤولين فيها لم يوجد الرئيس آنذاك بخيلا ولا جبانا فقد دافع عن شعبه جميعا حتى قام الجيش الذي كان هو المدافع بانقلابه المعروف وتسليم شمال موريتانيا للمغرب على طبق غير مصنوع من أي شيء.

 

فأين المكتسب الصحراوي الآن من ضياع أربعين سنة من حياة الإنسان المحدودة فوق أرض رمال الجزائر المتحركة لا استـقلال لأي شبـر من الصحراء ولا انضمام لإخوانهم وبني جلدتهم في موريتانيا.

 

أما المتـكلمون في هذه الأيام فهم الذين كانوا يطعنون وطنهم في الخاصرة قبل الحرب بمحاولة تعطيل المسيرة المظفرة للمولود الجديد والسير به على الطريق المستقيم وفي أثناء الحرب كانوا من وراء الانقلاب.

 

فالطريق المستقيم يتمثل في الوحدة والوطنية فلا طمع ولا شعار خارج الجنسية الموريتانية

وفي الطريق المستقيم: في الاستقامة والعفاف عن أملاك الدولة وبالرجوع إلى مرسوم أقيل فيه بعض المسؤولين عندما لاحظ المفتش المالي مبلغا زهيدا ناقصا من التسيـير وأظنه لا يبلغ مائة ألف أوقية صدر ذلك المرسوم الذي وزع على جميع إدارات الدولة ليتعظ به من يتعظ.

 

وعلى الطريق المستقيم في مسؤولية كل وزير عن وزارته بدون الرجوع إلى الرئيس لتحميله مسؤولية كل وزارة حتى صار بعد ذلك الوزير في غياب الرئيس هو أول من يمزق المسؤولية من جميع جوانبها.

 

وأنا أتعجب من شخص عاش ذلك الزمن ويعرف جميع الظروف وهو الآن يعيش في هذا الزمن ويعرف جميع الظروف فيه أتعجب منه وهو يهاجم الأيادي البيضاء والنفوس الأبـية وهو لا شك أنه عنده ما يشغـله ويقوله عن غيرهم بالأدلـة والبراهين.

 

والآن أود أن أعمل مقارنـة بسيطة بين ذلك العـهد الذهبي الموريتاني وبين عـقيدة المسؤولين بعد ذلك.

 

فالوزراء آنذاك كل واحد منهم يعـتـقد أنه مسئول رأسا ومباشرة عن وزارته، فمثلا: وزير العـدل كل يوم يطلع على ما يجري في العدل وإذا وقع خطأ أو تجاوز فلا ينـتظر رأي الرئيس في القضية وكذلك وزير الداخلية في ذلك العهـد يشعر بأنه مسؤول عن الأمن في جميع الوطن وجميع مؤسساته الأمن التابعة له يعرف عددهم وإمكانياتهم وجاهزيتهم  للتدخل في أي وقت ويتابع تدريـبهم إلى آخره.

 

أما الآن فوزير الداخلية لا يعرف أنه مسؤول عن كل جريمة وقعت في الوطن كيف وقعـت ولماذا وقعت ووقعت تحت مسؤولين من؟ وهل كل مؤسسة في الأمن لا ينقصها العدد ولا التدريب ولا الجاهزية...الخ وينتظر أن يأمر الرئيس بزيادة العـدد أو تجهيزه أو تدريـبه الخ فكأن جميع مؤسسات الوزراء يتبعون الرئيس مباشرة.

 

وآخر الأمثـلة وأرجو أن ينـتـبه له الجميع لأنه صورة كاشفة عن الفرق الشاسع بين هؤلاء وأولئـك.

 

ففي الأيام الأخيرة قام نائب في مكتب النواب ونبه على ملفات من الفساد وأوضح أنه كتب في هذا الفساد قـبل أن يدلي بتصريح فيه، وأنه يجب النظر في فساد تلك الملفات، لأن التـنبيه عليها بالرسائـل لم يفـد شيئـا.

 

وعـندما سـئـل الوزير المكلف بالعلاقة مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة عن ما صرح به ذلك النائب أجاب بجواب يؤسف له، فبدلا من أن يقول للصحفيـين سمعنا ذلك التصريح وسنحقق إن شاء الله في ذلك الفساد فأجاب أن تصريح النائب غير أخلاقي وغير حضري، فهل التـنبـيه على الفساد في مؤسسة اختارها الشعب لتسـيـير مصالحه وهي التي تسن القوانين أصبح الفساد محرما التـنبـيه عليه فيها فلماذا لا يؤخر هذا الجواب حتى ينتهي التحقيق ليقول ما يترتب على ذلك فأيهما أقرب للأخلاق والحضارة التـنبـيه على الفساد أو ذلك الجواب قبل التحقيق في الفساد.

 

وعلى كل حال فإن على الجميع أن يطلب الرحمة والغفران لأولئك الرجال الذين اختارهم الله ليكونوا أمناء هذه الأمة عند ميلادها فأحسنوا تربـيتها بأخلاقهم وحضارتهم وعـفتهم فخرجوا من مسؤوليتهم مكرمين معـززين لا تسمع في زمنهم أي دعوة عنصرية لا ميثاق لحراطين ولا حراك لمعلمين ولا منظمة أفلام، وكل هؤلاء توظفوا في الدولة آنذاك بشهاداتهم دون أن يكونوا ممثـلين إلا للموريتاني الذي يقدم ملفه طبقا لقوانين الوظيفة العمومية، أما المشاريع في زمن أولئك الرجال فلم يحتسبوها مـلـكا وراثيا ولكن الفنيـين هم المنفذون وهم مشرفون فقط على الانجاز دون أن تـنـتـفخ جيوبهم منه.

 

وعـلينا أن نجازيهم جميعا بتـكرار قوله تعالى [ربنا أغـفـر لنا ولإخـوانـنا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قـلوبنا غـلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم].