عاشت موريتانيا مساء الأمس عرسا جماهيريا نادر الحدوث في القارة الإفريقية قارة الجيوش وقادة الجيوش التي تسحق أحلام الشعوب وآمال الجماهير.. احتفلت موريتانيا بعرسها الديمقراطي في ثوب قشيب من الأحلام وزفت لفارس أحلامها فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وكان العرس موعدا مناسبا ضربته موريتانيا لكل العالم ليشهدوا مع التاريخ على كلام الفارس وعلى تعهدات الفارس وعلى استعداده لخوض الرهان وللعبور بموريتانيا في مأموريته الراهنة أشواطا أخرى غير التي سبق وعبر بها عن اقتدار وجدارة .
في المأمورية السابقة تحققت سابقة سياسية وسابقة في تاريخ الأنظمة وفي تاريخ الزعماء ، وهو النجاح إلى أبعد حد في الوفاء بمجمل الخطاب الانتخابي للرئيس ، ومعروف أن الخطابات الانتخابية للرؤساء في العادة هي تحليل للواقع ومحاولة لكسب الناخب عبر تحديد بعض الخطوط العريضة ، لكن في فكر الرئيس محمد ولد عبد العزيز وفي خطابه لا مكان للعادة هنا تكسر العادة بفعل العمل وبفعل التحدي والإصرار على تحقيق كل الممكن في ظل الممكن .
في خطاب المأمورية الثانية حصاد وفير من الوعود ومن المشاريع القادرة على العبور بالوطن والقادرة على تغيير سلوك الفعل السياسي في دوائر المشهد السياسي ، أساس هذا الخطاب تجديد الطبقة السياسية والنهوض بها ، وتجديد الطبقة السياسية ليس كما هو الفهم البسيط تغيير بعض الوجوه ورمي بعض الشباب في ساحة ملغومة من عشرات السنين وتعج بالفخاخ والشراك ولا مكان فيها للوطن ولا للضمير ولا للأخلاق .
تجديد الطبقة السياسية في تصور الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، هو تجديد سلوكيات معينة ، هو تجاوز أدبيات ظلت قائمة من الستينات إبعادها تتجلي في القبيلة وفي الجهة وفي العائلة وفي جمع الأصوات وفي حشد الناس وبيعهم في سوق نخاسة رخيص لايؤمن القائمون عليه بفكرة وطن ولا يعولون على النهوض بغير جيوبهم وأرصدتهم ،تجديد الطبقة السياسية في تصور الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو تنظيف مشهد سياسي من بعض المسلكيات المشينة والتي جعلت كل شرفاء هذا البلد يمقتون السياسة ويكرهون الوطن ويفضلون تنظيف الصحون في المنافي الباردة على المشاركة في بناء وطنهم وعلى المشاركة في العمل السياسي والاجتماعي بين أهلهم ، تجديد الطبقة السياسية في تصور الرئيس محمد ولد عبد العزيز هو تحرير الفعل السياسي من العقليات الأبوية والتبعية على أساس روابط غير واعية وغير معبرة عن مشاريع اجتماعية مقنعة للمواطن ، وخلاصة هذا التجديد المفروض أن ينتهي لها في تصور الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، هو تجديد الفاعلين السياسين المألوفون في المشهد من بدايات تشكله والذين تحول خطابهم السياسي إلى حفريات تحتاج إلى دارس أركيلوجي لشرحها وتبسيطها للأجيال الجديدة والتي لا يمكن لها التعامل معه إلا كما تتعامل مع لوحة مسمارية كتبت من عشرة قرون قبل الميلاد .
تجديد الفاعلين أو تجديد الوجوه السياسية كما يتصور الرئيس محمد ولد عبد العزيز ليس كما فهم البعض وحاول ببساطة فهمه ركوب الموجة ، تجديد الطبقة لا يعني أن تصبح كل موريتانيا شبابا ولا يعني أن تصبح كل موريتانيا أحزابا شبابية ولا يعني بحال من الأحوال ارتهان الشباب لنفس التجارب السابقة ولنفس النهج السابق عند أسلافهم ، تجديد الطبقة السياسية وضخ دماء جديدة في المشهد السياسي من منظور فخامة الرئيس يعني في الأول القطيعة مع سلوكيات الماضي ، ولا يعني أبدا إحلال الشباب في دوائر القرار والفعل السياسي والإبقاء على الميراث الثقيل من العجز والتلاعب بالناس وهدر طاقات الوطن ، إن أي شاب يظل وفيا للماضي ويظل ابنا شرعيا للتجارب السابقة لا يجب أن يعتبر نفسه معنيا بتجديد الطبقة السياسية ، وإن اعتبر نفسه فلا يجب عليه أن ينتظر منا أن نعتبره كذلك ، إن المشكلة لا تكرس كلها في تغيير عمري أو انتقال جيلي ، بقدر ماهي في عمقها تغير في السلوكيات وفي الممارسات ، وأي شاب لا ينطلق في بحثه عن التجديد من رؤية عميقة في تجديد الخطاب والسلوكيات والجهاز المفاهيمي الذي ساد إبان الحقب السياسية الماضية ، فهو لم يفهم عمق خطاب رئيس الجمهورية ولم يتسنى له تفكيك أبجديات مشروع الرئيس ومكامن الدعوة للتجديد والتغيير.
خطاب الرئيس المتمركز حول الشباب وحول تجديد الطبقة السياسية لا يعني تجديد عمري وبيولوجي للمشهد السياسي ، ووضع بعض الشباب كلافتات تعبر عن خطاب الرئيس في جانبها الظاهر ، لكنها في عمقها وفية للماضي ولرجال ولثقافة الماضي ، إن أول التجديد هنا هو القطيعة مع السابق والتأسيس من جديد انطلاقا من وعي جديد ، وإذا كان فخامة الرئيس يسعى لتحويل التجديد إلى أمر واقع من خلال التأسيس لمجلس شبابي يكون معنيا بتحديد سياسة الحكومة تجاه الشباب ، ومعني بتقديم تصورات الشباب ورؤيتهم للوطن للفاعلين ولأصحاب القرار ، فإن أول أولوية على هذا المجلس أن يكون تعبيرا عن خطاب الرئيس وعن مشروعه الشبابي الكبير ، يجب أن يكون المجلس الشبابي معبرا عن الشباب وفيا للحظة وليس مرتهنا للامس وخلافات الأمس وصراعات الأمس ، وسياسة الأجنحة وصراع الأجنحة وسقوط الأجنحة ونتف ريش الأجنحة ، إن الرهان الأول لمصداقية كل هذا الخطاب هو التشكيلة المقبلة لهذا المجلس ومساحة التصرف وقدر المسؤولية المناطة به ، وقدرته على التعبير عن شباب موريتانيا وعن هموم موريتانيا ، وعن طموح أبناء موريتانيا وقدرتهم في بناء وطنهم والنهوض به .
إن الأمل كبير والثقة في رئيس الجمهورية مطلقة فقدرته على كسب الرهان في المأمورية الأولى وتحقيق مجمل خطابه السابق في شتى جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية يجعل ثقتنا كبيرة وعالية في تحقيق خطاب هذه المأمورية والنجاح في تجديد الطبقة السياسية ما يعني وضع موريتانيا على سكة التغيير وتسليمها من طرف الرئيس لجيل جديد من أبنائها جيل نظيف لم يتلوث بالماضي ولا ينتمي للماضي بقدر ما ينظر للمستقبل ويسعى للنهوض والبناء .