يبدو للوهلة الأولى أن النمسا وسويسرا، الدولتين المضيفتين لبطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم "يورو 2008"، يتمتعان بالعديد من النقاط المشتركة فيما بينهما: فكلتاهما دولتان ألبيتان محايدتان وصغيرتان وتتمتعان بالرخاء ويقطنهما شعبان مسيورا الحال ومستقلا الرأي ويتحدثان بلهجات ألمانية مضحكة.
ولكن هنا تنتهي نقاط التشابه بين البلدين من حيث تبدأ. وبإلقاء نظرة أخرى عليهما عن قرب، لا يمكن العثور وقتها على دولتين جارتين أخريين أكثر اختلافا منهما.
فبالنظر 100 عام إلى الوراء، تجد أن ما يطلق عليها اليوم النمسا، كانت القلب النابض لامبراطورية مترامية الاطراف تضم عدة شعوب مختلفة، ولكنها قسمت فيما بعد حتى وصلت إلى حجمها الحالي بعد الحرب العالمية الاولى.
وفي الوقت الذي ظل فيه مبدأ الحيادية هو العقيدة الراسخة بسويسرا طوال العقود السابقة، تعتبر النمسا جديدة نسبيا في هذا الاتجاه، فعندما وضع هذا المبدأ(الحيادية) كشرط لاستقلال البلاد في اتفاقية عام 1955، سرعان ما عانق النمساويون هذه الفكرة خاصة وأنها قدمت لهم منفذا مقنعا لتبرير عدم حاجتهم إلى العودة كثيرا إلى ماضي بلادهم النازي.
ومنذ عام1938 وحتى عام 1945، ظلت النمسا ملحقا لالمانيا النازية مع وجود شريحة كبيرة من الشعب النمساوي المؤيدة لهتلر.
وفي مجال الاعمال، تشتهر سويسرا ببنوكها وصناعة الساعات وشركات الادوية بها. أما النمسا فهي على الجانب الاخر ليس لديها نشاط كبير في الصناعات المميزة، باستثناء مجال السياحة، فقد ركزت الاعمال النمساوية على أوروبا الوسطى والشرقية عقب انتهاء الحرب الباردة لتعيد بناء علاقاتها السابقة التي تربطها بأيام إمبراطورية هايسبورغ.
ولطالما نظرت فيينا على وجه الخصوص إلى نفسها وكأنها حلقة الوصل التي تربط الشرق بالغرب، وتعتبر السياحة والثقافة والطعام من أهم المناطق المشتركة بين الدولتين المضيفتين لـ"يورو 2008"، اللتين لا تعتبر كرة القدم هي اللعبة الشعبية الاولى بالنسبة لاي منهما.
وتسيطر الرياضات الشتوية على المشهد الرياضي العام في النمسا، مع وجود استثناءات قليلة ونادرة، فمعظم رياضيي الدولة العظماء بداية من توني سيلر أو فرانز كلامر ووصولا إلى هيرمان ماير يمكن حصرهم في مجال التزحلق على الجيلد.
ومن آن لآخر تنتج النمسا بطلا رياضيا استثنائيا جديدا في رياضات أخرى مثل لاعب التنس توماس موستر أو أسطورة سباقات فورمولا 1 للسيارات نيكي لاودا أو السباح الكبير الملقب باسم "السمكة الذهبية" ماركوس روغان.
وتشتهر النمسا كذلك بالموسيقى الكلاسيكية وليس السيمفونيات الطويلة للفنانين الموهوبين. فالبلد الذي قدم للعالم الرباعي فولفغانغ أماديوس وموتسارت وفرانز شوبرت ويوهان شتراوس يميل عادة إلى الموسيقى العادية.
وتلعب الثقافة دورا بالغ الاهمية في صورة النمسا الشخصية. حيث تعج الجمهورية الالبية بدور الاوبرا والمسارح وقاعات الحفلات الموسيقية. وكل عام، يجتذب مهرجان سينما الصالات المفتوحة بفيينا، والذي يعرض الحفلات الموسيقية أو عروض الاوبرا القديمة، آلاف الزائرين خلال شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس).
ويحب النمساويون طعامهم. فربما لا يكون لديهم أنواع الشيكولاتة الاسطورية التي تنتجها سويسرا أو مئات الانواع من الجبن ولكنهم يتمتعون بإصرار وعزم كبيرين على تعويض هذا الامر من خلال تقديم أنواع مميزة من الكعك.
ويعتبر طبق "فاينر شنيتزيل" هو الطبق الأول المميز بالنمسا ويتكون من قطع لحم العجل المحمر المغطى بكسر الخبز ويقدم مع سلطة البطاطس، وهو مزيج من الاطعمة يجعل متبعي الحميات الغذائية الخاصة والنباتيين يشمئزون من مجرد التفكير فيه.
ويحب النمساويون تناول وجباتهم الدسمة مع القهوة، التي تقدم منها أنواع متعددة في مقاهي فيينا المختلفة، إلى جانب شريحة من فطيرة "ساشرتورت" أو "أبل شترودل".
ولا يبدو تناول الكميات الهائلة من السعرات الحرارية كفكرة سيئة أثناء التواجد في النمسا. ولكن خلال بطولة "يورو 2008"، يمكن للمشجعين أن يحاولوا التخلص من هذه السعرات من خلال التهليل لفرقهم.
الأردني اليوم