من منا لا يأمل الخير في وطنه ويرجوا مع كل فلق صلاح حاكم بلاده.. من منا لا يتمنى العدل والعدالة والإنصاف وزوال الظلم والطغيان.. من منا يسعى ليقتر زقه ويضيق عيشه وتدلهم صروف الزمان عليه فتصيره كشجرة طلح عرتها العواصف من اللحاء ونتفتها من الورق وأذابت الريح عنها ثمر الصمغ.. من .. من يا فخامة الرئيس المنتخب..
لا أحد..
فقط قلة من الناس تضحي فتخرج من جلباب القهر والخوف لترفع أصواتها المبحوحة من أنين الظلم، ترهلت أجسادهم من وعثاء الضيق فخافت على خلفها مما أصابها، قد تكون شريحة أو قبيلة أو جهة أو إثنية أو فرد أو جماعة لم تحس بذاتها في وطنها ولم تشعر بانتمائها إليه، مع الوقت أصبح النحس والترصد يقتفيانها لا يضلان عنها ولا يخطئان استقصادها فازدادت حنقتهم وهم يشاهدون من في سنهم وعصرهم من الطبقات الأخرى يصّعدون سماء الخير والرفاهية بلا جهد إلا قرابة دم أو عصبية بنافذ في هذه البلاد التي قدر الرحمن في غيبه أن يكونوا من أهلها تجعل أفقر خلق الله وأجهلهم يترقى بلا حق في الثراء مترجما علامة من علامات الآخرة "ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"، وتتمثل لهم سنين أعمارهم تغدوا مهرولة بلا انتظار كأنما هم معالم على الطريق يمر بها العابرون المرتقون لينهلوا منها العبر، وهؤلاء يا فخامة الرئيس المنتخب هم شعبك وأبنائك وزينة بلادك وجواهر كرسيك وزخرف قصرك ومصدر شرعيتك، لا أعدائك كما يصور الآخرين لك، هم لمعلمين ولحراطين وإيغاون وآزناكة والزنوج، هم الشرق والشمال والجنوب، وهم شباب المعارضة والموالاة على حد سواء، يستصرخون وفي صراخهم ألف أمل وألف رجاء وألف استنجاد أن وحدنا بالعدل والعدالة وارفع عنا الظلم "يا عزيز"..
وما أبسط العدالة التي يرجون وينشدون من فخامتكم، إنها ليست أصعب من اشياء كانت قبل مقدمكم في حساب المستحيل غدت اليوم آية شامخة في سماء التنمية سيكتب عنها الرواة والكتاب والشعراء وتحمد لك إلى الأبد، إنه العدل الذي يتقمص في ثنياته المساواة والهوية الواحدة الجامعة لكل تلك الفسيفساء من أبناء الوطن في الوطن "موريتانيا".. بلدهم وبلدك .. عدالة توحد بين الناس على تعدد اختلافهم في الفرص والمسابقات والتشغيل والرخص والتمويلات والتعيينات والترقيات ولللقاءات، وحتى الابتسامات والتهديدات..عدالة توحد بين ابنك المصون بدر وبين أبناء الوطن كافة.. بين أبناء الشمال المشردين في غابات العنب بغرناطة، وأبناء الشرق والجنوب المقيدون في أغلال الجهل والحصار، فكم من عصور يا فخامة الرئيس المجيد ولت بالكاد خلفت أثرا إلا أسماء الذين حكموا فيها ووحدوا شعوبا بالعدل والعدالة والمساواة وأصبحت السياسة فيها ترفيها لا يمارسه إلا المعمرون كهارون الرشيد وعمر، فما يفعل الناس بالسياسة ومعارضة الحاكم إن صار عيشهم رغدا والعدل بينهم عمريا؟..
وكم من دول عاشت عقود كأنما هي مقيدة لا تخطوا من مكانها إلا كما يخطوا المُقعد تساقط حكامها كما يتساقط بلح نخيل آدرار دون أن يُذكروا بعد سقوطهم رغم أنهم لا يزالون بيننا أحياء يرزقون، كهيدالة ومعاوية وسيدي كأنما هم تحت الثرى وما صيرهم لذالك إلا لأنهم جافو العدالة وجافتهم وتجاهلوا الأصوات المبحوحة التي أمَّلت فيهم كما نؤمل فيكم مع بدء هذه المأمورية الثانية لأن يكون برنامجكم للسنوات الخمسة القادمة إرساء للعدالة وتوحيد للأمة وبناء للهوية المفقودة، عدالة تليق بنا جميعا لا يخاف بعدها مختلف معك من سخطك ولا معارض لك من غضبك..
لا يخاف بعدها كاتب من بطش بطانتك.. ولا مستثمر من شره أنصارك نأمن فيها جميعا من الإقصاء ومن التنحية والتهميش وتصفية الحسابات وأشياء أخرى لا تزال مرارتها تلبد حياتنا كما يغطي الحنظل حلقوم شاربه.. عدالة لا يأمن معها ابنك المصون حفظه الله إن أخطأ من ربقة القانون، ولا يساور منافق ولا طبال فيها أمل حصد منفعة إلا بما يستحق..
فجرم يا فخامة الرئيس الطبقية والتمايز على أساس القبلية بالقانون لا بالوعد والوعيد، فالغاضبون المظلومون المحرومون الجياع أحيانا يسعون للموت ليرتاحوا أو للسجن حتى ينعموا يقطعة خبز بعدما يتملكهم اليأس.. أمن الناس من الجوع وما أبسط هذا يا فخامة الرئيس المنتخب لو ألغيت الضريبة على القيمة المضافة لانخفضت الأسعار قاطبة بنسبة 15% ثم تجرم بالقانون من يزايد أويستغل أو يخالف ذالك ولا بأس إذا شنق ليكون عبرة لغيره من المضاربين بقوت الشعب كما شنق الشهيد صدام تجار التموين عام 1992 وعزر عمر ابن الخطاب ابن عمر ابن العاص لما كدس القمح لرفع سعره فيما بعد..
شيد صروح الثقافة والمعرفة التي يمكنها وحدها أن تذوب هذا التفاوت، ابني المسارح وادعم الفرق الفنية، فالفن وحده ما يصقل العقول ومن لا مسرح له لا وحدة له.. أحل المساواة في الفرص والاكتتاب، وجعل أعوانك يخافون منا نحن الشعب لا منك وأنت الحاكم، فالحكومات التي تخشى شعوبها هي وحدها القابلة لأن تكوّن حكما رشيدا، لأن خوفها ليس من الشعوب بقدر ما هو من القضاء والعقاب، فكم أتمنى أن ينجلي هذا الضيق وتمر هذه الغيمة التي لبدت حياة الكثيرين من شباب البلاد في مأموريتكم الأولى، فلا يكون هنالك خوفا في النفوس من ظلم أيا كان سواء كان في شفافية اكتتاب أو توظيف أو أي كان..
جرم يا فخامة الرئيس مظاهر العنصرية في الشوارع بالقانون واترك الأمر للمحاكم وحصنها من المحسوبية وابن هوية البلاد، فنحن بلد لا هوية له، فشل السابقون في أن يؤسسوا له هوية.. ولا تجعل المقربون هم عيونك على الضعفاء والمبحوحون، بل اجعل قلبك وضميرك وإيمانك بانقضاء الأجل ذات يوم وظلمة المنزل الأخير وهول الوقوف بين العالي المتعالي الذي لاتأخذه سنة ولا نوم، عليم السر والجهر وما تخفي الصدور عينك التي ترصد الظلم بين رعيتك ووفقك الله لما فيه خير البلاد والعباد.
عبد الله ولد محمد آلويمين