من غير المُجدي أن يستمرّ إعلامُنا في أساليبه الضحلة التي اعتاد عليها في الماضي من قبيل الاستماتة في سرْد كمِِّ من الإنجازات، و إحصائها، و عدّها بالأرقام، و المُبالغة فيها: طرقات، مستشفيات، مطارات، توسيعات، مدارس، شبكات مياه، إنارة، إلخ...دون أنْ يُلقي بالا، ولو بكلمة واحدة، إلى نوعية هذه الانجازات، و جوْدتها، و قوّتها، و صلابتها، و قابليّتها للبقاء من عدمها...إنّ بناء طرقات، و مستشفيات، و مدارس، و غير ذلك من الانجازات أمرُُ مهم للغاية، و إبلاغُ المواطن به مهم...و لكن الأهم من ذلك كلّه هو أنْ تكون الطرقات، و المستشفيات، و الانجازات...جيّدة، و مُتْقنة، و تستوفي الشروط المطلوبة، و ذات مردودية حقيقيّة بالنظر إلى كلفتها و عُمرها الافتراضي...
ما أريد الوصول إليه...هو أنّ التهافت القديم-الجديد على "الكم" دون النظر إلى "الكيف" خطأ كبير، و مظهر من مظاهر التخلف الفكري و الحضاري..لا يهُمُّنا بعد اليوم "كم أنجز" بقدر ما يهُمّنا "نوعيّة" و "جودة" ما أُنْجِزَ...و على هذا الأساس، أدعو هنا إلى غرس ثقافة "الاتقان" و "الجودة"، و "الجدارة"، و الاقلاع ما استطعنا عن ثقافة "الكم" و "الاستهلاك"...
و هذا النداء أتوجّهُ به إلى كلّ النّاس بمختلف مستوياتهم و أعمالهم...فثقافة "الاتقان" مطلوبة من الرئيس في رئاسته، و الوزير في وزارته، و المدير في إدارته، و المعلم في مدرسته، و الطبيب في عيادته، و المهندس في مصنعه، و الموظف في وظيفته، و الصحفي في مكتبه، و الطالب في مدرسته أو جامعته، و الداعية و الإمام في مسجده، إلخ...كلّ هؤلاء و غيرهم من أبناء الوطن شركاء في المسؤولية عن الدولة و المجتمع، و مطلوب منهم "الإتقان" و "الجودة" كلّ على حسب مهمته...طلب يستندُ إلى الحديث النبوي الشريف: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"...و "رحم الله امرء عمل عملا فأتقنه".