الطوارق بين عقود الإهمال ومرتكزات النهوض

اثنين, 2017-02-27 10:46
إبراهيم الأنصاري / صحفي

يطبع في الأذهان أشكالا متنوعة مختلفة من الصور والأنماط، تتشكل تبعا للجرس الذي تحدثه لدى المتلقي، فما تحدثه مرتبط بعدة عوامل تتنوع ما بين الثقافي والسياسي والإنساني تبعا لزاوية النظر وخليفة السامع.اليوم وبعد مضي أكثر من ستة عقود على استقلال أغلب الدول الأفريقية؛ يجدر بنا النظر إلى هذه الأمة، أمة الطوارق، نظرة تترتب عليها محاولة الفهم والتحليل للوضع المترنح الذي تعيشه في بلدان تواجدها كجزء أصيل يعيش حالة؛ بل مسلسلا لا متناهيا من الإهمال، لا يظهر لحلقاته نهاية مرتقبة.

وبنظرة سريعة لمناطق الانتشار الطارقي، فإننا نجد أن الثقل البشري لهم يتركز في جنوب كل من الجزائر وليبيا و(أزواد) شمال مالي، والأجزاء الغربية من النيجر، مع تواجد نادر في غير هذه البلدان، ويشكلون في هذه المناطق من الدول الأغلبية، وهذه المواقع الجغرافية تتطابق في عدة عوامل تجعل الحكم على أحدها ينسحب على البقية مع وجود بعض الاختلاف في التفاصيل التي تكون أحيانا جوهرية مفصلية. وتجنبا للإسهاب في سرد المترادفات، فإن تلك المناطق تشترك في عدة صفات، ولهذه الصفات تبعات سلبية غالبا مع بعض الإيجابيات لبعض تلك الصفات.

أولها: أنها صحراوية قاحلة نادرة الأمطار والمياه، ومن سلبيات هذه الصفة على سبيل المثال، أن الدول التي تتحكم فيها سياسيا جعلت منها عذرا تتكئ عليها عند الإشارة إلى تخلف تلك المناطق عن غيرها، وسقوطها بشكل يثير الاستغراب من خطط التنمية، وهذا الأمر وكنتيجة حتمية أدى إلى ضعف الاستقرار المكاني والتنقل الدائم تبعا للمواسم وأحوال المناخ.

ثانيها: وقوعها في الشريط الحدودي لتلك الدول مما يجعلها دائما رهينة للقبضة الأمنية الصارمة، كما يعرضها لأن تكون ممرا معتادا لعمليات التهريب وعصابات الجريمة المنظمة، ولهذا الأمر تبعات وتعقيدات وآثار مدمرة، حيث يمكن أن تتحول تلك المناطق إلى ساحة حرب وبشكل مفاجئ بين أطراف لا علاقة لأهل المنطقة بها، غير أنهم وحدهم من يدفع ثمن تلك الحرب وفاتورتها مهما بلغت.

يجب على كوادر وكفاءات المجتمع الطارقي القيام بدورها والأخذ بزمام المبادرة والعودة ولو تدريجيا من المهاجر والأوطان البديلة إلى عمق مجتمعهم، وإفادته بما لديهم من إمكانات.

ثالثها: النمط الثقافي والاجتماعي، بحيث تكاد هذه التجمعات السكانية تتحد وبشكل كبير في جانبها الثقافي (الطارقي) لغة وعادات وتقاليد وأعراف، رغم اختلاف الدول وأنظمتها وقوانينها، وهذا الأمر رغم ما فيه من الإيجابية المتمثلة في الشعور بالعمق والانتماء المجتمعي، إلا أنه خلف وبشكل تراكمي نوعا من فقدان الانتماء القطري، وهذا الأمر هو ما يستغله أصحاب بعض المشاريع الفضفاضة لاستثماره للحصول على بعض المصالح الشخصية الضيقة في إضرار واضح بالمصلحة العامة للطوارق؛ التي تستوجب التأكيد على الانتماء الوطني القطري الذي يمكن من خلاله الوقوف برسوخ وثبات على الأرض ثم الانطلاق إلى الأفق الطارقي الأوسع دون الإخلال بخصوصيات كل بلد وما يرتبه على مواطنيه من واجبات وما يوفره من مميزات.رابعها: النمط الاقتصادي والذي يجعل من الرعي والماشية وما يتعلق بهما الركيزة الأولى لحياة المجتمع وتدبير أموره، وهذا النمط جعل الإنسان الطارقي دائم التنقل والسفر، فلا يكاد ينصب خيامه حتى تقتلعها رياح الجفاف وندرة الأمطار وقلة المرعى. هذه الظروف والأنماط تضافرت مع توجه تؤكده الحالة القائمة من الدول التي ينتشر فيها الطوارق للذهاب بهم إلى حافة الانهيار.

وللخروج من هذا الوضع يجب أولا على البلدان التي يعتبر الطوارق مكونا أساسيا منها؛ العمل على الخروج بهم من العزلة الحضارية التي يعيشونها، فإن كنا سنعذر بلدا مثل النيجر بسبب فقره، فإننا لا يمكن أن نقول الشيء نفسه عن بلدان مثل الجزائر وليبيا، خاصة إذا حاولنا أن نجري مقارنة بين المواطنين شمالا وجنوبا. ومن جانب آخر لا يقل أهمية عن سابقه إن لم يكن أكثر أهمية فإنه يتوجب على الإنسان الطارقي:1- أن يعيش في بلده مواطنا كامل المواطنة والانتماء، وأن يمارس تبعا لذلك حقوقه التي يكفلها له القانون، وأن ينخرط في سبيل تحصيل حقوقه وتحسين وضعه في كافة أوجه الفعاليات مدنية كانت أو سياسية، وأن يعمل وفق الإمكانيات المتاحة والفرص الممكنة والعمل على محاولة تحسينها وخاصة في تلك البلدان التي لم يعرف عنها الاستهداف العرقي لهم، وعدم الالتفات إلى بعض الأصوات الشاذة التي تنادي بالدخول في مغامرات غير محسوبة العواقب من شأنها إن تمت الاستجابة لها الدخول في مواجهة غير متكافئة، سيكون من نتائجها غالبا خسارة قدر كبير من القدرات والإمكانات، والعودة إلى المربع الأول ونقطة الصفر، كما أنها ستؤدي إلى تضييع كثير من الطاقة والمجهود في غير تجاه الهدف.

2- يجب على كوادر وكفاءات المجتمع الطارقي القيام بدورها والأخذ بزمام المبادرة والعودة ولو تدريجيا من المهاجر والأوطان البديلة إلى عمق مجتمعهم، وإفادته بما لديهم من إمكانات مادية ومعرفية وبشرية، والإمساك بحزم بعجلتي التنمية والوعي والسير بهما نحو أفق أكثر تقدما واتساعا.

خاتمة: الأمة كالأم لا ينهض بها إلا بنوها وهي أولى بظلهم من غيرها.

 

إبراهيم الأنصاري / صحفي