( إعداد موريتانيا اليوم ) تنامت في الفترة الأخيرة ظاهرة ارتباط فتيات موريتانيات شابات بإرهابيين من وجهة نظر الدولة؛ محكومين بالإعدام.. ظاهرة ملفتة؛ ويبدو أن الظاهرة لم تنل حقها من الاهتمام من طرف الصحفيين والمهتمين.
هروب السجين السلفي المحكوم بالإعدام السالك ولد الشيخ؛ والدور الذي لعبته زوجته في ذلك الهروب ، مما جعل من وكالة " موريتانيا اليوم " تسلط الضوء على هذا الموضوع لتجد الإجابة على بعض تساؤلات فيه .
زواج في السجن..
السجين الذي استعادته الجهات الأمنية مؤخرا؛ تزوج برفيقته و هو في السجن.. وكان يلتقيها أسبوعيا في ما يعرف بالخلوة الشرعية..
الدوافع والأسباب متعددة من بينها توقيف تنفيذ أحكام الإعدام منذ حوالي ثلاثين سنة؛ حيث يعود آخر تنفيذ لحكم الإعدام في البلد إلى عام 1987. ضد أبطال المحاولة الانقلابية التي وقفت خلفها حركة "أفلام"..
..وهروب من السجن لأجل الزواج
قبل سنوات؛ فر السجين الخديم ولد السمان؛ لكي يقيم عرسا خلال فترة هروبه؛وفي غمرة البحث عنه استطاع الخديم مغافلة جميع هيئات الأمن في البلد والدخول إلي العاصمة نواكشوط وعقد قرانه على فتاة كان خطبها من قبل.
وأكدت مصادر أمنية موثوقة أن ولد السمان أقام في نواكشوط عدة أيام في حدود الواحد والعشرين من مارس 2008 حيث اتصل بأسرة خطيبته القاطنة بنواذيبو، ورتب معها الزواج المذكور على أن تأتي الخطيبة إلي نواكشوط لاستكمال تنفيذ الزواج.
واشترط الشاب المتهم بالضلوع في عمليتي الهجوم علي السفارة الإسرائيلية في موريتانيا و"مواجهات سانتر أمتير" علي ذوي خطيبته الاكتفاء بعقد القران وعدم تنظيم الوليمة والحفل لحين مغادرته الأراضي الموريتانية.
وبعد تنفيذ الإجراءات الشرعية للزواج، رحل ولد السمان وقرينته إلى نواذيبو قبل أن يختفي عن الأنظار من جديد، ليبدأ أهل العروس تنظيم الحفل ودعوة الأصدقاء والأقارب للوليمة المقامة بهذه المناسبة.
عندها علم الأمن بالخبر فقام باعتقال العروس وأختها التي رافقتها في رحلة الزفاف وبنت خالتها التي استضافتها في نواكشوط بتهمة التستر وعدم التبليغ عن من يصفونه بـ"إرهابي" مطلوب للعدالة.
ولم يشمل الاعتقال والدة العروس نظرا لاعتبارات إنسانية تتعلق بتقدمها في السن، وكان الخديم ولد السمان قد تعرف على عروسه الطاهرة بنت هين عن طريق أخيها المدعو أحمد ولد هين الذي سبق أن رافقه أثناه السجن بتهم تتعلق بالانتماء للتيار السلفي.
.. ومظاهرات من أجل الأزواج
عام 2012 رفعت حوالي خمسين منقبة، غالبيتهن زوجات معتقلين سلفيين، ارتدين عباءات سوداء، وانتظمن في عدة صفوف، سائرات على الرصيف الأيسر لشارع جمال عبد الناصر، رفعن لافتات تحمل عبارات من قبيل"نعم لتطبيق الشريعة"، "لا للديمقراطية والعلمانية"، "إن الحكم إلا لله". وسط فضول المارة، الذين تابعوا المسيرة الأولى من نوعها في موريتانيا.
سارت المنقبات حوالي خمسمائة متر من أمام السجن المدني في العاصمة، وحتى وزارة التعليم، حيث اعترضهن الأمن الموريتاني، الذي صادر في البداية عددا من لافتاتهن؛ المكتوبة بخط يدوي غير متقن في غالبيتها، قبل أن تتدخل نقيبة المنقبات لتعلن لأفراد الأمن أنها و"أخواتها" لن يقبلن أن يحتككن بهم، ليتركهن عناصر الأمن ينظمن وقفة استمرت ما يقارب الساعة؛ قبل أن يعلن انتهائها، ويعدن في نفس المسار؛ وحتى بوابة السجن.
تقول ربيعة بنت محمد الأمين، زعيمة السلفيات المتظاهرات، إن "الشعب الموريتاني يحكم له بالعموم أنه شعب مسلم"، غير أنه من غير المقبول "تعطيل حكومته لشرع الله"، و"موالاتها للكفار".
ربيعة التحقت فيما بعد بجماعة القاعدة في المغرب الإسلامي في الصحراء الكبرى وتوارت أخبارها..
يلعب ارتفاع العنوسة دورا كبيرا في إقناع الشابات بالزواج من مساجين أو حتى محكومين بالإعدام؛كما إن تسرب أفكار سلفية الى عقول الفتيات.. كما تلعب الضغوط والروابط دورا في الموضوع.
للشرع رأي..
ومن وجهة نظر شرعية فلا مانعَ شرعًا من تزوُّج المسلم السَّجين، فإذا توافَرَتْ شُروط صحَّة الزَّواج، وكانتِ المرأةُ وأولياؤُها عالِمين بِحالِه وموافِقين على زواجِه بِها، وكان عنده ما يُنْفِق به عليْها أو كانت مُسامِحةً له في حقّها في النفقة، ولا يُشْتَرط وجودُ الزَّوج أثناءَ إجراء عقْدِ النّكاح، فيمكنه أن يوكّل مَن يتولَّى عقْد الزَّواج نِيابةً عنه، فقد ذهب الفُقهاء إلى جوازِ توكيل الغائبِ غيرَه في العقود والتَّصرّفات التِي يَملك الموكّل إبرامها، كما أجازوا الوِكالة بالخصومة في سائر الحقوق وإيفائها.
الخلوة الشرعية بين المنع والقبول
تطبق موريتانيا منذ سنوات حق الخلوة الشرعية بين السجين وزوجته، أو السجينة وزوجها، وتعتبر السعودية رائدة الدول العربية في تطبيق ذلك الحق؛ إذ قررته منذ نحو أربعين عاماً،
موقف الاسلام من تمكين المحبوس من وطء زوجته ضمن القاعدة التي تنص على «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
للفقهاء ثلاثة أقوال: القول الأول لا يمنع المحبوس من وطء زوجته في الحبس إذا كان فيه موضع لا يطلع عليه احد وإلا منع، واستدلوا على ذلك بأنه غير ممنوع من قضاء شهوة البطن فكذلك شهوة الفرج، وإذن لا موجب لسقوط حقه في الوطء واشترط بعضهم ان يصلح الموضوع سكنا لمثل الزوج او الزوجة.
القول الثاني فهو منع المحبوس من وطء زوجته لأن من غايات الحبس إدخال الضيق والضجر على قلبه لردعه وزجره، ولا تضييق مع تمكينه من اللذة والتنعم والترفه، والوطء إنما هو ذلك، وليس من الحوائج الأصلية كالطعام، وهذا ما ذهب إليه المالكية وقول بعض الحنفية والشافعية.
القول الثالث هو إن الأصل في وطء المحبوس زوجته وان ذلك حق من حقوقه الشرعية ولا يمنع منه إلا إذا اقتضت ذلك المصلحة ورأى القاضي، كما لو رأى منعه من محادثة الأصدقاء أو قفل باب الحبس عليه وهذا قول بعض الشافعية.
وفي السجن ما لا تعلمون..
الدراسات داخل السجون رصدت حالات شذوذ رجالي ونسائي بسبب منع الخلوة الشرعية وابتعاد المساجين عن أسرهم، وقد رصدت انتشار حالة من القلق من جانب المساجين على أسرهم، فضلا عن لجوء زوجات عديدات الى طلب الطلاق من مسجونين خصوصا اذا كانت عقوبتهم كبيرة لأنهم أصبحوا بعيدين عن أسرهم ولا يوفرون لهم احتياجاتهم النفسية والشرعية والمادية.
وحسب علم النفس فإن السجين يشعر بالحرمان والضغوط النفسية والاجتماعية وتزيد عنده عقدة الذنب عندما يشعر بانه السبب في تفكك أسرته ومعاناة أولاده، فتقل شهيته للطعام ويشعر بالقلق والاكتئاب وعدم الراحة في النوم، فأهل السجين هم السند الاجتماعي له وحرمانه من رؤيتهم يزيد من عقاب السجين فتزيد الطين بلة، واحيانا يؤدي الى انتحار السجين ليخفف من آلامه عندما لا يرى اسرته ولا زوجته ويشعر بحرمانه من كل شيء ابتداء من عمله الى نظرة المجتمع له باعتبار انه مجرم وآثم، في حين يكون في صراع نفسي حاد ويحتاج الى من يسانده في عواطفه ومشاعره.
آثار اقتصادية
يؤدي حتما وجود عائل الأسرة خلف القضبان إلى تغيير تام في القوامة ، حيث تضطر الزوجة و ذووها ، أو أقارب الزوج في أحسن الأحوال ، إلى القيام بدوره في إعالة الأسرة التي فقدت ربها .
و كثيرا ما يدفع العائل ، الصغار إلى القيام بأعمال لا تتناسب مع أعمارهم أو التخلف عن مقاعد الدراسة تحت ضغط الحاجة ، و في أحيان أخرى يكون الانحراف طريقا اضطراريا يسلكه أبناء السجناء .
و يطالب حقوقيون و قادة رأي بإنشاء هيئات تقوم بالتكفل بأعباء حياة أسر السجناء ، و هو مقصد خيري نبيل ، ربما لم يتفطن له القائمون على مؤسسات التطوع الموريتانية .
و لا تتوفر إحصائيات رسمية لأبناء السجناء المستهدفين في عمل خيري مفترض مثل هذا .
في النهاية :
على أن أعباء الزواج من سجين لا تنتهي عند هذا الحد ، حيث يواجه أطفال المساجين مشاكل حقيقية في التمدرس و الولوج إلى الخدمات الصحية ، يعود سببها الرئيسي إلى اشتراط حضور الأب لإمضاء الوثائق المدنية للأبناء ، و هي الوثائق التي لا تتم كينونة الطفل و لا مواطنته دونها .
هي إذن صرخة نتمنى أن لا تكون في واد و الجهات المختصة في واد آخر .. فهل وصلت الرسالة .