مثل حفل تنصيب رئيس الجمهورية مناسبة استغلها بعض الموتورين للقيام بأنشطة هامشية للظهور في خلفية الصورة الكبيرة للحدث الدولي. تنوعت عروض الباعة المتجولين بين البيانات والفتاوى والمقابلات...
كان العقيد أول من نادى على بسطته في بيان لم يجد صدى لدى الموريتانيين، كما هي عادتهم مع بيانات العقيد، فعبر النهر بحثا عن مقابلة في تلفزيون محلي فعْل الباعة المتجولين الذين يتنقلون بين المدن والأسواق. يحاول العقيد بخرجاته الإعلامية ملأ الفراغ الذي تشهده المواقع القيادية في المعارضة، فطمع في إرث مسعود وولد داداه، المتقدمين في السن، أحياءً. لكن العقيد الموتور يعلم علم اليقين أن المعارضة لفظته بعد أن يئست من الحصول على تمويل منه. فقد رحبت به طمعا في ماله المتراكم على مدى عشرات السنين من الفساد، وابتزاز المواطنين عبر جهاز الشرطة الذي سخره العقيد للجباية الزهيدة حتى غدا رجل الأمن لا يساوي في نظر المواطن أكثر من مائتي أوقية قد يرميها في وجهه سائق أجنبي في يوم قائظ عاصف فيشتد خلفها. اكتشفت المعارضة أن العقيد أخفى ثروته الطائلة عند مَّا، التي يكثر تردادها، استئناسا بنقوده في خطبه. وليست عندمَّا سوى ترخيم ل(عندي، ماني)، ولما اكتشفت المعارضة السر انفضت من حول العقيد الذي لا يملك أي وزن سياسي، بعد أن فشلت مناورة الورقة البيضاء، وبعد كارثة ترشحه للرئاسة التي لم يتجاوز فيها 03% من أصوات الناخبين.
لم يكن فشل العقيد السياسي سوى استمرار لفشله الأمني. يذكر الموريتانيون صورة النقيب مدير الأمن وهو يمشي على رماد سوق المقاطعة الخامسة عام 1987. كان النقيب يضحك ملأ شدقيه بلا إدراك لفشله الأمني، أو احترام لمشاعر مواطنيه الذين فقدوا كل ما يملكون. بدا النقيب في نزهة فوق الرماد!!!
واليوم يزداد فشل العقيد السياسي حين ارتمى في أحضان الكيان الصهيوني، الذي لفظه، كما لفظته المعارضة وفضل عليه "برام" وذاك سر عداوته لبرام؛ فصاحب مهنتك عدوك...
على خطى العقيد سار الفقيه الموتور في "ربيعه" و"مستقبله" فلم يستطع تفويت حدث التنصيب، دون أن يجد له مكانا على صفحة موقع إخواني، خاصة أن العلامة حقا، ذو التآليف، شيخ الوسطية غير منازع، عبد الله بن بيه حفظه الله ظهر في صدارة حفل التنصيب محاطا بما يستحقه من إجلال وتقدير. ومثلما لجأ الشيخ إلى قناة المرابطون الإخوانية، حين احتفت قناة المحظرة بالعلامة الجليل، سجل الشيخ فيديو لموقع (عربي21) الإخواني!!!
احتفت مواقع الإخوان بجملة واحدة من كل ما قاله الشيخ:" الديمقراطية لا تتقدم في موريتانيا"، وأهملت ما سواها كعادتها في لحن القول، وجحد الحقيقة. فقد استنكر شيخهم دعوتهم إلى الرحيل متناسيا أنه كان من المحرضين على المظاهرات، والشغب من أجل الرحيل! يقول الشيخ، في نسخته الجديدة.."... دعوتهم إلى الرحيل بدون سبب مالها مبرر..." اكتشفت ذلك الآن بعد أن فشل ربيع الإخوان في كل مكان فتنصلت من دعوة الرحيل، كما تنصلت من الجهاد في سوريا، و من فتاوى رئيسك القرضاوي! ثم يضيف الشيخ:" هم [المعارضة] لا يريدون الرحيل بانقلاب عسكري." الغريب في أمر الشيخ أنه يقول ما يحلو له دون مراعاة للحقيقة، أو احترام لعقول سامعيه. فهل نسي الموريتانيون دعوات المعارضة المتكررة للجيش للقيام بانقلاب عسكري! وهل نسي الموريتانيون تلك الليلة التي صنعت فيها المعارضة انقلابا وهميا تكشف الصبح عن زيفه، ليقول لنا الشيخ إنهم لا يريدون الرحيل بانقلاب عسكري!
يستمر الشيخ في "تزويق" (يستقيم المعنى بإبدال الراء بالقاف) الحقائق حين يقول:" وكانت تقريبا انتخابات أحادية لم يشارك فيها إلا الأغلبية الرئاسية". فهل بيجل، وبيرام، وصار من الأغلبية الرئاسية! يعلم الشيخ، وهو المهتم بتفاصيل الطيف السياسي الموريتاني، أن الثلاثة ليسوا من الأغلبية الرئاسية مثلما يعلم أن المعارضة دعت الجيش إلى الانقلاب، وأن الشيخ كان من غلاة دعاة الرحيل.
يستمر الشيخ في نقده، على هواه، الأوضاع السياسية في وطنه، فيتحدث عن غياب هيئات دستورية "من قبيل رئاسة المعارضة الدستورية..." وينسى الشيخ السياسي جدا أن رئاسة المعارضة شأن المعارضة، يحتلها الآن حزب معارض ظل الإخوان يتحالفون معه طوال حلم الرحيل حتى إذا جاءت الإنتخابات طعنوه في الظهر وحنثوا بالوعد والعهد، فعْل الإخوان على مر العصور، لتشتد العداوة بين الحليفين. فإذا كان الشيخ يتبنى مطالبة الإخوان برئاسة المعارضة فعليه أن يعلن الجهاد على التكتل ليخرج الأعز منها الأذل...
يطال "تزويق" الشيخ للحقائق لجنة الانتخابات حين يقول:" لجنة الانتخابات التي اعتمدها الرئيس لم تكن محل رضى السياسيين وعموم الشعب." يعلم الموريتانيون أن اللجنة الوطنية المستقلة للإنتخابات قد اختير أعضاؤها بالتشاور مع المعارضة المحاورة التي اختارت رئيسها، ثم أصبحت من ألد أعدائه!
لا تنقضي غرائب الشيخ وعجائبه، فهو يدعي أن المعارضة الموريتانية لم تدع إلى انقلاب، وهو بخلاف الواقع، لكنه يدعو الجيش المصري إلى الانقلاب على الديمقراطية! " الجيش المصري لم يخلو يوما من وجود بعض الكفاءات الوطنية، التي تقدر مصلحة مصر وتغلبها، ولذلك أتوقع أن الجيش المصري لن يسكت عن هذا الوضع ولن تبقى تلك الشخصيات مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع، فلابد أن ينحاز للشعب في نهاية المطاف وإذا حصل ذلك فلا بد أن يتغير الوضع."
يقولون إن من اشتغل بفن لا يتقنه أتى بالغرائب. قد يبرر ذلك غرائب الشيخ عند حديثه في السياسة، لكن غرائب الفتوى من عالم نحرير وجهبذ كبير لا يمكن تبريرها!!! فقد كفر الشيخ، دون دليل كعادته في فتاويه، من فرح بقتل اليهود للمسلمين! " وقال في حلقة من برنامج “مفاهيم” على فضائية “فور شباب”: “من فرح بانتصار اليهود على المسلمين أو ساعد على ذلك أو رأى أنهم أشراف فهو كافر كفرًا أكبر مُخرجًا من الملّة... وأضاف: “لا يمكن أن يفرح بانتصار اليهود على المسلمين أو قتلهم لهم إلا كافر مثلهم،..." ما الدليل على ذلك من الكتاب والسنة؟
إذا كان الشيخ لا يكفر من والى الكفار وقاتل معهم ضد المسلمين في ليبيا، فعلى ماذا استند في تكفيره لمن فرح بقتل اليهود للمسلمين؟ أليس الفعل الأول أشنع، والدلائل على كفر صاحبه أظهر! قال تعالى "فمن يتولهم منكم فإنه منهم". الحقيقة أن الشيخ يوظف فتاواه لمصلحة الإخوان، ظالمين ومظلومين. فالإخوان هم الذين تولوا الكفار ضد المسلمين في ليبيا، والذين فرحوا بقتل اليهود للمسلمين إنما قصدوا إخوان حماس لخلافات سياسية معهم.
ونحن لا نقر هذا الفعل الشنيع، ونسأل الله الرحمة لقتلى غزة، والنصر لحماس. لكن حكم التكفير الذي أطلقه الشيخ لا بد أن ينطبق على كل من فرح بقتل اليهود للمسلمين من غير الإخوان، وفي ذلك يدخل الشيخ متولي الشعراوي، والشيخ محمد الغزالي، وآلاف الإخوان الذين فرحوا بهزيمة الجيش المصري في حرب 1967، وانتصار اليهود على الجيوش العربية، وقتلهم آلاف المسلمين من غير جماعة الإخوان.
فهل يكفر الشيخ الددو الشيخ الشعراوي الذي سجد شكرا لله على انتصار اليهود على المسلمين؟ تحزب الشيخ الددو الأعمى للإخوان، وجرأته على الفتيا والتكفير لا تبقي له مكانة بين العلماء الذين يؤخذ عنهم، وإنما هو قيادي في الحركة يحلل لمصلحتها ويحرم، ويكفر من عاداها، ويرفع شاراتها على جبل عرفة، حين يخلص الحجيج دينه لله!
أخرج حفل التنصيب موتورين آخرين من بقايا الماركسيين حرموا كعكة الفساد التي ألفوها زمن ولد الطايع وأرادوا استعادتها في ظل الرئيس المؤتمن، فكتبوا مناشير وزعوها على المواقع، وهددوا بالاعتصام حتى إذا جاء الموعد اعتصموا في بيوتهم يشاهدون ما يغيظهم من وفود أجنبية، وإقبال جماهيري منقطع النظير...
لكن "وقاف حانوت الدويرة" ظل مختفيا، فقد تعود الاحتكار، وحين ظهر باعة متجولون كثر علم أن سقطه لن يجد رواجا أكثر وقد عرضوه على قارعة الطريق، فآثر انتظار انصراف الباعة المتجولين ليفتح (البالوطة) السادسة.