نافحت موريتانيا دبلوماسيا ومنذ استقلالها من أجل تصفية الإستعمار، وتقرير مصير الشعب الصحراوي، فقد كان لقائد البعثة الدبلوماسية والسفير الأول لدى الأمم المتحدة السيد ذ. أحمد باب مسكه الدور الكبير في إيصال الملف لأروقة الأمم المتحدة و دمج الصحراء الغربية ضمن الأقاليم التي لم تتمتع بحق تقرير المصير، ومع بداية السبعينات كانت زويرات ونواذيب و كل المناطق الحدودية مسرحا لميلاد جبهة البوليساريو التي وفرت لها النخب السياسية وفي مقدمتهم الكادحين الظروف الملائمة، كان ذلك قبل الجزائر و قبل ليبيا.
أما على مستوى الزعامات فقد كانت هناك جولات مفوضات و لقاءات ثلاثية و ثنائية بدأت من نواذيب و أنتهت للأسف الشديد بمدريد مرورا بقمة بشار و فاس ، لقد كان توقيع الإتفاق الثلاثي بمدريد خطأ جسيما يتحمل مسؤووليته كاملة الرئيس ذ. المختار ولد داداه ـ رحمه الله ـ الذي لم يستشر الشعب و لا حتى الفاعلين السياسيين آنذاك ، لم يتأخر الرد كثيرا و قصفت البوليساريو عين بنتيلي و إنال لتكون بذلك الشرارة التي أشعلت حربا ستدوم لسنوات طوال و ثقال سقط فيها أسويدات كماسقط الولي رحمهما الله ، وعانا فيها هذا الشعب الواحد التفرقة و ذل الإتهام و غطرسة العسكر وضيق الحال ، إقتصاد موريتانيا الناشئ إنهار كما الأمن .
10يوليو 1978 كان يوم الخلاص و التوبة من هذه الحرب و أظن أن الرئيس المختار رحمه الله كان قد أدرك فداحة هذه الفعلة في حق هذا الشعب المسالم و القليل ، بدليل أن كل الدلائل تؤكد أنه كان على علم بالإنقلاب لكنه لم يحرك ساكنا و ترك الجيش يتسلم السلطة بسلاسة ، كان من أولويات القادة الجدد إيقاف الحرب وإعلان الهدنة لعام ، ورغم التحديات الجمة التي واجهتهم داخليا و خارجيا فقد ظل البحث عن مخرج مشرف و بسلام دائم هو التحدي الأبرز، فالمغرب ينظرلهم بعين الريبة ، والبوليزاريو كان رجلها القوي آنذاك البشير يردد : أخرجوا من أرضنا ، لأسباب شخصية أو إستغلال موقف ، وكلاهما لاينم عن حس زعامة و لا بعد نظر ، كان قادة أنواكشوط إذن في وضع لا يحسدون عليه ، فالمغرب يعتبرهم منقلبون على حليفه ، و البوليزاريو تضغط عليهم للخروج دون وصاية و ترك الأرض بلا رقيب ، وقد بلغت الأمور ذروتها بإحتلال البوليزاريو لتشلة بعد ثلاثة أيام من إنقضاء عام على الإنقلاب ، صدرت الأوامر للجيش الموريتاني بأن لا يرفعوا السلاح في وجه الجيش الصحراوي ، فأسروا مايزيد على السبعين ما بين شرطة و درك و عسكر، بعد شهر وقعت موريتانيا السلام و أنسحب الجيش الموريتاني على عجل و تحت ضغط هذه المرة من الجيش المغربي الذي دخل عليهم الداخلة و نزع العلم الموريتاني ليبدله بالعلم المغربي ، و في هذه السنة كان عشرات الأطر يستقصون الطرق للوصول لمخيمات اللاجئين لمشاركتهم حرب تحريرهم ، كان مصيرهم السجن .
إن أكبر دعم سياسي يمكن أن تقدمه موريتانيا هو الإعتراف بالجمهورية الصحراوية كان ذلك 1984، موريتانيا تعيش بها جالية صحراوية معتبرة لم يشعروا يوما أنهم في غير وطنهم بل إنها فتحت أبوابها وحدود لتسهيل مهمة الأمم المتحدة ، وعبرتها شرقا وغربا شمالا وجنوبا أنواع الآليات المدنية و العسكرية الصحراوية ، ما يحز في النفس أن القيادة الصحراوية لم تسع يوما لتصحيح النظرة التي كانت سائدة لدى المواطن الصحراوي عن أخيه الموريتاني منذ الحرب ، فعلى من يطالب موريتانيا بموقف أكثر، أن لا ينسى أن القيادة الصحراوية تتحمل جزءا كبيرا من حالة الجفاء هذه وعليها أن تعترف بذلك وتصححه .