رأيْتُ فيما يرى النائمُ أنني في مقابلة مهمّة مع مسؤول ذي منصب رفيع في الدولة، و تفاجأتُ بنمط تسيير و إدارة الشأن العام لدى بعض "الكبار". قال لي السيد بأنّ ضميرهُ مُثقل و جسده مُتعب، و بأنّهُ لا تفوتُهُ واردة و لا شاردة في أمور الوطن و المواطنين. يُقرّرُ في كلّ شيء، و يتولّى التنفيذ في كلّ شيء..قلتُ لهُ: ياسيدي، ألا يكفيكم إعطاء الأوامر، و ترك التفاصيل للجهات المعنية بالتنفيذ، و متابعة الأداء من خلال المؤسسات الخاصّة بالرقابة؟ قال بصوت حزين: لا أحد يفهمني إطلاقا !!! و لا أحد يفهم ما أريده من خير و إعمار لهذا البلد المسكين...
قلتُ لهُ: سيدي، خذوا العبرة من الانسان، هذا الكائن الذي هو خليفة الله في الأرض..تأمّلوا خلقكم.. و تدبّروا أمْرَ هذا الدماغ أو الرأس الذي تُصنعُ فيه الأفكار، و تُقاسُ الأمور، و تُـتَّخذُ القرارات...ثُم يترك التنفيذ لأعضاء و مؤسسات تابعة لهُ. أنتم هم دماغُ البلد و رأسُهُ و عقلُهُ...و لكنّ الدماغ أو الرّأس أو العقل لا يستقيمُ وحده أبدا، و لا يكفي لإدارة شؤونكم كإنسان حي...و لذا، أعطاكم الله تبارك و تعالى أعضاء لتنفيذ أوامركم...فجعل لكم يدا، و قدما، و ذراعا، و رِجلا، و ظهرا، و كتِفا، و عضلات، إلخ...هذه كلّها مؤسسات تؤدّي دورا و لها وظيفة...
سيّدي، إنّ شؤون البلد مثل شؤون الإنسان لا و لنْ تتقدّم و تصلُح بمجرّد وُجود رأس أو دماغ يدوحُ في الهواء مهما كان رأسا منتخبا، أو مُصفّى من ذهب و فضة...إنّ البلد بحاجة إلى جسم كامل الأعضاء و المؤسسات مثلما هو بحاجة إلى عقل مُدبّر كيْ ينهض من كوبتهِ...وما إنْ أنهيتُ كلامي حتى ألتفت إليّ و قال بصوت عال بأنّه عاقد العزم على مواصلة كفاحه و حربه...وحْدهُ!!! أدركْتُ في الحال أنّني لم أوفّق تماما في إقناعه بأنّ رأسا يدوحُ بلا جسم...هو بالضبط كجسم يتجرجر بلا رأس !!!!