التمييز الإيجابي في الحكومة القادمة / الولي ولد سيدي هيبه

اثنين, 2014-08-11 09:39

لم يتنزل مفهوم يوما التمييز الإيجابي اعتباطيا على التفكير البشري في تسيير حاله المعقدة و ضبط إيقاعها المضطرب و إنما جاء حاجة ملحة و ضرورة أملتها ظروف الاضطرابات السوسيو سياسية القاهرة التي ما زالت تلقي بظلالها على مسار الإنسانية جمعاء، و إلى اكتمال البنية المؤسسية للدولة عندنا و حتى تكون حلا و إن مرحليا يصل بنا على الأقل إلى جزء من المشوار نستقر معه لمواصلة الدرب إلى المقاصد التي ما زال جلها بعيد المنال.

و لما أن استعصت في بداية القرن 20 و عند بداية النضال لانتشال المرأة من بؤرة التهميش و المطالبة بمساواتها في الواجبات و الحقوق مع الرجل هبطت على الذهنية السياسية،  في مفهومها المتضمن تسيير شأن الشعوب دون تمييز، مفاهيم كثيرة تحاول الوصول إلى إرضاء الحركة النسائية العلمية يومها و من معها و حولها من المناصرين من جنس الذكور و في حيز يمنع اندفاع المرأة إلى المواجهة السلبية مع الرجل من ناحية و إيقاف الأخير عند حدود تكون أقل حدة و تجبره على اتخاذ مواقف أكثر اعتبارا للجنس الآخر... مفاهيم تراوحت بين المستحسن إلى حد إدماجها في مسطرة المصطلحات الحوارية و التعاملية في حقل النضال و دائرة الانجازات المحققة في ذلك الشأن.

و ليس أقل هذه المفاهيم قوة و أكثرها تحقيقا للمطالب أيا كانت مصطلح التمييز الإيجابي. و في موريتانيا لعب هذا المصطلح نظريا دورا إيجابيا في إعداد الذهنية السياسية و الاجتماعية للانفتاح على دور المرأة و من ثم مصاحبته إلى درجة النضج و الإنتاج حتى بلوغ غاية الإسهام الفعلي في عملية البناء و تحقيق توازنات الاستقرار و العدالة. و لم تكن في هذا المنحى الحصة التي خصصت للنساء مؤخرا لتوقيع حضورهن البناء و المشارك بكثافة تناسب حجمهن و مكانتهن في غرفتي البرلمان، إلا نبرة دالة و وترا مسموعا في معزوفة التحول الخلاق و حجز مكانتهن الضرورية في جوقة صيانة لحن البناء الوطني.

و ليس منا ببعيد كذلك ما كان من تفكير ملي و جاد في التأسيس ثم العمل على وضع خارطة عملية للتمييز الإيجابي لصالح الشرائح المهمشة عموما و شريحة الأرقاء السابقين التي تقبع الأغلبية منها في "آدوابه" بالعمق و أيضا على أطراف المدن الكبرى، حتى تتسنى لأفرادها فرصة النهوض و اللحاق بمواطنيها الآخرين في مضمار توطيد دولة القانون و حمايتها من مكرهات التفاوت بين أبنائها.

و لأن التمييز الإيجابي بكل ما يحمله من نوايا حسنة و رغبة جادة إلى توفير العدالة و التوجه بالبلاد إلى حيز دولة القانون، فإنه لا بد أن يطال هذا التمييز كذلك كل أوجه حياة البلد و يبحث في المجهود العام عن كل تطبيقاته اللائقة في الزمان و المكان بما يخلق التوازن و يضمن الاستقرار و السلام.

و لأن البلاد خرجت بسلام من الانتخابات الرئاسية التي جرت في الواحد و العشرين من يوليو المنصرم في أجواء طبعها الهدوء التام و التنافسية الإيجابية، فإن المرحلة الوشيكة هي تشكيل حكومة جديدة تباشر استمرار العمل و المجهود الكبيرين اللذين تحققا خلال الولاية المنصرمة للرئيس المعاد انتخابه السيد محمد ولد عبد العزيز، و هي محط الأنظار إليها و إلى نوع التشكيلة الجديدة و فرسانها.

و لأن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز كان أدرك ضرورة ملاءمة السياسية مع المتطلبات الحقيقية للبلد من أجل تنميته و استقراره، و المواطنين من أجل رضاهم و تقوية إحساسهم بالأمان و العدالة أين ما وجدوا على امتداد تراب الوطن دون الشعور بالغبن أو التهميش لأي سبب أو عذر كان و بأي شكل كان. و إذا كانت جميع ولايات الوطن غير متكافئة من حيث عدد ساكنتها و غير متساوية في تركيبتهم العرقية و الطبقية أو في مقدراتها و خيراتها و إمكاناتها التنموية، إلا أنها تبقى كلها و باعتبارات أخرى وحدة متكاملة لوطن واحد. و حتى يتساوى الشعور لدى كل المواطنيين بالمساواة في المواطنة و بالقدرة من أي نقطة ينحدرون أو ينتمون إليها في عموم تراب البلد و على حد سواء لخدمة الوطن الموحد منذ كان، فإن تجسيد ذلك كان و سيظل طلبا مشروعا و أمرا مرغوبا و إن اسدعى تمييزا إيجابيا لتضم منه و لأجله تشكيلة وزراء الدولة تمثيل كل الطيف السكاني المطبوع بأنفاس جهاته و ألوانها و نكهة تفكيرها و عطاء أبنائها. و هو الأمر إن تحقق لا بد أن يقرب مناطق البلد المتباعدة و يحمل إلى اندماجها بما تتطلبه وحدة الوطن و تقاسم أهله كل ما يربطهم ببعضهم و لتتقدم البلاد بذلك إلى تحقيق ما كان ذات يوم من انسجام و تناغم تشهد عليه وحدة اللغة و المذهب الديني و تاريخ المقاومة و هبة الاستقلال و قيام الدولة و خلو سجلها التاريخي من الحروب الأهلية... أمور جوهرية إن أمعن الجميع النظر فيها فإنها قد تكون بذلك حقا و بالإضافة إلى استنتاجات أخرى حملها بكل وضوح الرؤية و بعد النظر التزام السيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الخطاب الانتخابي الأخير الذي ألقي في "حي ملح" و وعد خلاله بتطبيق سياسة التمييز الإيجابي في كل الولايات التي قد تتبين ضرورتها أو يطلب أمر مساواتها مع غيرها من الولايات الأخرى حلا إلزاميا لفك عقد التخلف بكل أبعادها و مسمياتها.