يعتبر الحوار وسيلة حضارية يستخدمها العقلاء للتأسيس لإجماع على أسس أي عملية ثقافية أو اجتماعية وبالنسبة للديموقراطيات الناشئة يعتبر الوسيلة المثلى لتحقيق إجماع وطني على الأسس والثوابت الوطنية ويشهد تاريخنا السياسي القصير على أن الحوار مثل دائما فرصة انفراج للمشهد بل وانتصار للنظام فمن يعرقل الحوار السياسي الوطني
ومن يسعى لفرضه؟ ولمصلحة من يتم إفشال الحوار؟
موريتانيا بلد هش يعاني من عديد المشاكل يرفض البنوية العبودية والإرث الإنساني وضعف الكادر البشري وهشاشة الاقتصاد والمحيط الاقليمي المضطرب كل ذلك يؤكد ضرورة أن يظل الحوار هو الخبر الدائم حتى نتوصل إلى حلول جذرية للمشاكل العميقة التي تتعدد وتتداخل أسبابها لكن الحوار السياسي المتعثر هو ماسنتناوله الآن من زاوية ضرورته وفرص استئنافه ومن يتحمل مسؤلية إنجاحه منذ مؤتمر الطاولة المستديرة أثبت تاريخنا السياسي أن الحوار هو الوسيلة المثلى لحل مشاكلنا واختلافات نخبنا السياسية والاجتماعيةوسنقتصر هنا على تناول ظرفية البلد منذ إعلان "التعددية" السياسية في خطاب العقيد الشهير ولن نقف طبعا عند الجدل حول كونه قرارا فرنسيا أو قرار موريتانيا فغاية حديثنا هي الاتعاظ بالماضي أكثر من التحليل التاريخي وفق المنهج الأكاديمي -لست مؤهلا – قرر العقيد معاوية إعداد مشروع دستور جديد تمت المصادقة عليه باستفتاء شعبي في 12 يوليو 1991 وفتح الباب لتشكيل الأحزاب السياسية والانتقال من العمل السري إلى العمل السياسي القانوني وهكذا مثلت محطة انتخابات الرئاسة في نهاية السنة معركة بين القوى السياسية الساعية للتغيير ونظام العسكر المدعوم من أغلب القوى التقليدية قام النظام العسكري بتزوير واسع وفق ما أجمع عليه المسؤولون لاحقا وحصل مرشح التغيير على أكثر من ثلث الأصوات حسب النتائج المعلنة من الإدارة رفضت المعارضة النتائج وقررت مقاطعة انتخابات السادس مارس 1992 البرلمانية التي فاز فيها الحزب الجمهوري ب 67 مقعدا من أصل 89 برلمان من حزب واحد تقريبا وقد شاركت في الانتخابات عدة أحزاب من بينها: التجمع من أجل الديموقراطية الذي يقوده أحمد ولد سيدي باب ،حزب الطليعة الوطنية ،ذي التوجه البعثي،الاتحاد الشعبي الديموقراطي الشعبي حزب ولد أماه،.... ظلت المعارضة تتهم النظام بالدكتاتوري ونظام تزوير الإرادة الشعبية والفساد لم يطل صبر النظام وبدأ يضايق المعارضة والصحافة الناشئة كل ذلك لم يؤثر على حجم التزلف والتصفيق ووصف العقيد بالقائد الفذ وجعل خطاباته مناسبات يحتفل بها خطاب النعمة أو العيد الوطني للمرأة ،نداء 1993 المشجع للرياضة،...... شاركت المعارضة لاحقا في انتخابات 1994 البلدية ثم اتهمت النظام بالتزوير وقاطعت انتخابات 1996 التشريعية ونتخابات 1997 الرئاسية لكنها عادت وشاركت في انتخابات 2001 التشريعية بعد قبول النظام لبعض شروطها وعلى رأسها بطاقة التعريف الجديدة ونظام النسبية وحققت المعارضة بعض النتائج سيكفر النظام بكل ذلك ويعود للمضايقة وحل الأحزاب السياسية وسحب الحصانة عن المنتخبين ظل الاحتقان يتزايد ثم جاءت محاولة انقلاب الثامن يونيو لتشكل بداية انهيار سطوة العقيد وتكذب أسطورة كونه العسكري الذي لا ينجح الانقلاب عليه ،جرت انتخابات 2003 الرئاسية وأعتقل أحد المرشحين ليلة الاقتراع واتهم بقصة اكراب العجيبة،وصلنا إذا إلى انقلاب الثالث أغسطس 2005 ووعود الديموقراطية وجلس الخصمان عسكر السياسة والساسة المدنيون للتشاور وتم الاتفاق على لعبة ديموقراطية مع تعديل طفيف على دستور العقيد الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات هائلة لكن الحوار على علاته نجح في إنهاء الاحتقان وجلس الموريتانيون من مختلف التوجهات ليناقشوا مسار بلدهم وجرت انتخابات توافقية انتهت بانتخاب أول رئيس مدني وكان مرشح بعض الضباط وخاصة العقيدان ولد عبدالعزيز وولد الغزواني جاء رد الجميل سريعا وقام الرئيس بترقية الشابين إلى رتبة جنرال ثم جاءت أزمة حجب الثقة فبدل فتح حوار بين المعارضة والرئيس قال الرئيس بأن ولايته 5 سنوات وقال التكتل بأن الرئيس عاجز عن تسيير البلد لينسق التكتل مع البرلمانيين المحسوبين على العسكر من أجل حجب الثقة عن حكومة الرئيس ولم يكن الهدف إلا بداية الانقلاب العسكري الذي حدث بالفعل بعد ساعات من إقالة الرئيس للجنرال عزيز والجنرال غزواني تأسست جبهة للدفاع عن الديموقراطية التحق بها التكتل لاحقا ثم كانت مفاوضات دكار واتفاق دكار الذي نص على مواصلة الحوار بعد الانتخابات وهو ماتنكر له فريق ولد عبدالعزيز متعللا برفض المعارضة الاعتراف بنتائج الاقتراع وظلت المعارضة تطالب بالعودة لدكار والنظام يرفض ثم دخل النظام لاحقا في حوار مع جزء من المعارضة هلل النظام كثيرا لذلك الحوار ونعت المعارضة المقاطعة له بالمتأثرة بالربيع العربي الذي جاء بعد الربيع الموريتاني وفق توصيف خطباء الأغلبية لكن يبدو أن اتفاق المعاهدة وأغلبية الرئيس لم يوفق في إجراء انتخابات تشريعية يرضى عنها المشاركون قبل أن تكون حجة على المقاطعين وهو مايعزز ضرورة استئناف الحوار من جديد وهو ماحدى بالمعارضة لتشكيل منتدى الوحدة والديموقراطية وبدأت تتوسل الحوار ثم قبل النظام أن يجلس معها في حوار يبدو أنه كان أقرب لإبراء ذمة ومحاولة إظهار المعارضة كمسؤولة عن الفشل أكثر من رغبة جادة من النظام في حوار سياسي يعزز الديموقراطية التي يتحدث عنها لايهمني هنا الحكم على المسؤول عن الفشل بقدر ما سأحاول تحليل أدوات الضغط عند الطرفين ومدى استخدامهامن الواضح في بلد كموريتانيا أن الجزء الأهم من أوراق اللعبة السياسية بيد النظام ومن المسلم به تاريخيا أن الفشل يتحمله بالأساس من هو في السلطة أكثر من المعارضة لكن هل حقا تتحمل المعارضة مسؤولية عدم التجاوب مع رغبة النظام الجادة في الحوار؟إن المتتبع لمواقف الطرفين يلاحظ أن النظام هو الممانع في حوار جدي فعندما التقى الوزير الأول برئيس اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود وهو سياسي محنك وأحد مفاتيح اللعبة السياسية،علق الناطق الرسمي باسم الحكومة أن الأمر لايعدو كونه لقاء اعتياديا بين الوزير الأول وأحد المواطنين ولاعلاقة له بالحوار ثم بعد تشكل المنتدى ظلت الحكومة ترسل رسائل غير ودية مثل الخطوط الحمراء التي يتحدث عنها الرئيس ووزير إعلامه بل والتأكيد أن السلطة لاترى ضرورة للحوار بل تقبل به مادام رغبة بعض المواطنين،،إن النظر بازدراء إلى شريك لعبة ديموقراطية كالمنتدى هو عين الخطأ وهكذا لم يتسنى للمعارضة أن تجد من السلطة خطابا ولافعلا مايدل على استعداد للحوار بل تعنت ومضي في الأجندة غير التوافقية وبما أن المعارضة لاتملك إلا الضغط بالشارع بدأت الإعداد لمسيرة تطالب بوقف الانتخابات التوافقية ،لعل ذلك يؤدي لعودة النظام لطاولة الحوار فحين يفشل الحوار ويمضي النظام في إجراء انتخابات غير توافقية لن ينفعه إلقاء المسؤولية على الطرف الآخرهناك فرضية تقول بأن الضمانات هي مجرد وسيلة لإخفاء خشية المعارضة من تصويت الموريتانيين في انتخابات شفافة وبغض النظر عن صحة ذلك فإن الذي لاخلاف عليه هو أن تعزيز الضمانات خدمة للوطن وضمان لرقي الديموقراطية ومتانة بناءها فأن ينجح الرئيس في انتخابات بها كل الضمانات التي تطالب بها القوى السياسية أفضل لشرعية الرئيس وسمعة الديموقراطية الموريتانية،يتحدث البعض عن أن السلطة ليس من مهمتها فرض الناس على المشاركة في الانتخابات وهذا خطأ فادح فمهمة السلطة هي تعزيز الشفافية وتوفير الضمانات التي تطمأن الجميع ثم إن نفس التعليل يمكن أن تعتبره المعارضة دليلا على خوف النظام من التعبير عن إرادة الناس الحرة،هناك حقيقة يجب أن لاتغيب عن الجميع تحقيق أكبر قدر من الضمانات التي تجعل الصندوق يعبر بصدق عن رغبة الناخب خدمة للوطن والوطن هو نحن جميعا معارضة وحكومة والذي نلاحظه أن المعارضة تحاول الضغط عبر الشارع بحثا عن التوافق على انتخابات حرة نزيهة فمالذي ينتظر النظام ليبذل جهدا مكثفا بحثا عن التوافق وتعزيزا لقوة ديموقراطيتنا وهو الذي يملك العديد من الأوراق ويحمل بحكم المسؤولية خطيئة أي نتيجة غير محمودة لانتخابات غير توافقية والذي يتضح حتى الآن أن النظام إذا لم يكن يرفض فهو متردد وغير راغب في الحوار إن فشل الحوار السياسي هو خسارة للجميع وبالتالي خسارة للوطن فوطننا بحاجة لأن يبذل كل أبناءه موالون ومعارضون ومستقلون جهدا مضاعفا وبنية صادقة يا أهل الموالاة ويا أهل المعارضة ويارئيس الجمهورية ويانخبة البلد التاريخ لايرحم إن من ينظر أبعد من مصالحه الشخصية والحزبية سينصفه التاريخ ويسجل إسمه كشخصية تاريخية وطنية،من السهل أن يتحدث النظام عن الآجال الدستورية وعن تعنت المعارضة لكن سيقول التاريخ كلمته وعلى الأقل سيقول أن الموالاة والنظام فشلوا في جر المعارضة إلى حوار يفضي إلى انتخابات توافقية إن الآجال الدستورية والمأموريات الانتخابية غايتها تنظيم الحياة السياسية وفي الديموقراطيات الناشئة لابد أن تكون هناك رغبة كبيرة للتوافق لقد شاهدنا التجربة المصرية حين فاز تيار الإخوان المسلمين القوي في انتخابات مصر وحين استخدم هذا التيار حقه الدستوري في الانفراد بالسلطة والقرار أنتهت مصر إلى وضعها الحالي نسأل الله أن يجيرنا منه وأن يحقن دماء أهلها أما حين تنازلت النهضة في تونس لصالح التوافق والشراكة فقد انحلت العقدة وزال شبح التجربة المصرية من خواطر التوانسة إن الانفراد بالقرار والاغترار بالموقف الخارجي ومتزلفي الداخل لن يحمي أي رئيس من لعنة الأجيال اللاحقة إن هو لم يمارس نفوذه وسلطته من أجل نزع فتيل الاحتقان وجمع القوى الحية الوطنية في حوار سياسي شامل يمهد لانتخابات رئاسية لايرقى الشك لشفافيتها ونزاهتها شخصيا لست ممن يرون أن الانتخابات الماضية كانت مزورة بل أرى أن تغيير نتيجة الصندوق منذ انتخابات 2001 بات شبه مستحيل ولكن نحن أهل البلد ونعرف كيف تستخدم السلطة المال العام والترغيب والترهيب لإرغام الناس على التصويت لها ،إن جعل الإدارة مطمئنة للجميع وجعل ضباط الجيش والقضاء على مسافة واحدة من المرشحين وتعزيز الضمانات لكي يكون المقترع وهو خلف الستار يعبر عن قناعته الشخصية مكسب كبير وإنجاز عظيم فانتخابات لايرقى إليها الشك ستكون مكسبا للجميع وخاصة المرشح محمد ولد عبدالعزيز فإذا فاز بها سيكون أكد شعبيته وفاز في انتخابات شفافة ونزيهة وحرة وإذا خسر سيكون أول رئيس موريتاني يترك للشعب أن يعبر بحرية عن إرادته وسيسجل إسمه في سجل الوطنيين الشرفاء ويعيش بقية حياته براحة ضمير،،إن الموالي المخادع سيقول أنني أزايد لكن على الجميع أن يفكر بؤية استشرافية فاستقرار موريتانيا فوق الجميع معارضة وموالاة الواجب الوطني يستدعي من الجميع ساسة ومجتمعا مدنيا ورؤساء سابقين أن ينخرط في سعي وطني جاد لحوار سياسي شفاف وحقيقي يؤدي لانتخابات توافقية تخرجنا من هذا الوضع الذي يتسم بالضبابية وهنا أتوجه بالدعوة للرئيس محمد ولد عبدالعزيز عد للماضي القريب وتذكر كل ماكان يقال لولد الطايع قبل أن تطيحوا به في انقلاب عسكري هلل له من كانوا يتغنون بانجازات ولد الطايع ومقولاته ويخلدون خطاباته إننا جميعا ذاهبون لكن الوطن باق فمن المشرف أن يقرأ أحفادنا أننا لم نفرط ولم نغتر بموالاة مزيفة أنتم خير من يعرفها،،أن تخسر في انتخابات نزيهة أفضل من أن تفوز في انتخابات صورية والله ولي التوفيق