على طول السنة، يكون ليل المخيم أفضل من نهاره ، و بشهر المغفرة الذي يصادف الصيف منذ سنوات يكون الليل أرحم كرحمات الشهر الفضيل .
هنا بالمخيم لا مجال للعطل، وحدهم أطفال الطور الإبتدائي و المتوسط يأخذون إجازة صيفيا تقود اللآلاف منهم لبلاد الفرنجة، في جولات سلام و ترفيه، بينما يستمر معظم سكان المخيمات في عمل دؤوب، قوامه برامج وطنية تختلف محتوياتها حسب المواسم.. كانت الباتول ، مسوؤلة برنامج التغذية بحينا تضع لثاما رثا على رأسها، مهملة أطراف “ملحفتها “..تشرف منذ العاشرة صباحا على توزيع مؤن شهر رمضان المبارك ..
عندما وصلتُ مقر الدائرة ، الساعة الثانية زوالا ، بدت لي الباتول عطشى كتائه في البيداء ، توقعت أن أراها تسقط إعياءً و عطشا ، لكنها ككل المشرفات على تلك المهمة الصعبة تظل متماسكة صبورة، تقابل أصوات المواطنات المرتفعة و أسئلتهن الروتينية بإبتسامة متعبة. كنت أتهرب من شمس يوم قائظ، فالصداع الذي يتحين الفرص للفتك بي تكفيه دقيقة من لهب أشعة الشمس كي يندلع برأسي.. أصارع من أجل إحراز مكان بخيط الظل الرفيع الممتد على طول جدار المبنى، وسط طابور مختل التوازن من نساء مخيمي.. يتوزع سكان كل حي على مجموعات مكونة كل واحدة منها من خمسين فردا ، كل مجموعة يستلم أحد أفرادها نصيب المؤن المخصص لها من المسؤولة ، و عليهم بعد ذلك توزيعه بالتساوي و حسب عدد أفراد العائلة .
و في انتظار استكمال كل الحصص الموزعة ذلك اليوم ، فضلت التفاعل مع أحاديث النسوة بجانبي ، كان التذمر سيد الموقف ، فالساعة الخامسة على مشارف التمام ، و بيننا و موعد الإفطار ثلاث ساعات، و هي وقت قصير لتحضير مائدته. كانت النيهة تتحدث عن والدتها التي تكتفي ببعض الحليب و التمر فقط ، و تبتهل إلة الله أن يحفظها ، فيومياتها الرمضانية لا تثقل كاهلها، بينما ضحكت عيشتو من تأثر الصحراويين بعادات بلدان الجوار خلال الشهر الكريم ، و تشتكي من إخوتها و متطلباتهم .
كنت أمزج بين رأييهما لأفصح عن بعض برنامجي اليومي في رمضان ،و لأختم بأن الشعور بالعطش يجعلني أفشل في محاولات تزيين مائدتي المتواضعة ، و أتحول الى واعظة و مرشدة صحية، لتبرير ذلك الفشل.
عند السادسة، كانت الحرارة بشدتها ، لكننا تفرقنا نحمل أكياس الأرز و العدس، و صوت إحداهن الواهن يردد : ” بناقص من ذي الوغرة ، ما عينا في شي يعطوهنا ” . وصلت بيتي منهكة جدا ، مازحني أحدهم بأنه قرأ تعليقا لمغربي على مقال لي يقول فيه أني أعيش برفاهية في اسبانيا، بينما يعيش سكان المخيمات بتعاسة.. أجبته : گول لو يعملها رفاهيتو .