فهمي هويدي يكتب: فصل فلسطينى فى كتاب الدهشة العربية

ثلاثاء, 2014-08-19 06:59

(1)  • أقر وزير الحرب الصهيونى السابق شاؤول موفاز فى حوار بثته القناة العاشرة فى 1/8 بفشل الحرب على غزة ونجاح حركة حماس فى جر إسرائيل إلى حرب استنزاف. وقال ان عملية «الجرف الصامد» لم تحقق شيئا من أهدافها، فضلا عن ان المستوطنين فقدوا الشعور بالأمن على نحو خطير.

 

• خبير الأمن القومى اورى بار يوسف قال لصحيفة «يديعوت أحرونوت» فى 12/8 ان عملية الجرف الصامد أسفرت عن انهيار القدرة العسكرية لجيش إسرائىل. مضيفا أن إسرائىل لم تفشل فقط فى ترميم قوة الردع فى مواجهة حماس، وانما انهارت قوتها العسكرية بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الحرب. وأوضح انه يجب على إسرائيل أن تعترف بأن قدرتها العسكرية غير قادرة على حسم المواجهة مع حماس، على الرغم من أن تفوق جيشها لا شك فيه. مشيرا إلى أن جذور مشكلة الردع الصهيونى فى مواجهة حماس تكمن فى قدرة الحركة على استخدام وسائل بدائية وتوظيفها فى تحدى إسرائيل.

 

• ميخائيل بار زوهار كتب فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» قائلا إن الحملة العسكرية بينت أن «الجيش الذكى» أصبح فاشلا يفتقد إلى الإبداع. دلل على ذلك بقوله ان الجيش بات يعتمد فقط على الوسائل التكنولوجية مثل القبة الحديدية والاغتيالات التى تتم من خلال الوسائل الإلكترونية. كما انه انتقد فشل سلاح الجو فى تدمير ترسانة حماس الصاروخية. وكانت النتيجة ان المقاومة الفلسطينية استطاعت ان تقاتل إسرائيل لمدة شهر كامل، وتمكنت من مواجهة أقوى جيش فى الشرط الأوسط، كما انها نجحت فى إرسال ملايين الإسرائيليين إلى الملاجئ.

 

• رأى المحلل السياسى والعسكرى رونين بيرجمان ان المقاومة الفلسطينية حققت انتصارا فى مواجهة العملية العسكرية الإسرائيلية. وأشار إلى أن عدد القتلى فى كل جانب ليس المعيار الأهم لتحديد من هو المنتصر، فالمعيار الأهم فى هذه النقطة هو تحقيق الأهداف التى توخاها كل طرف قبل بدء المعركة. من هذه الزاوية فإن حماس تبدو هى المنتصرة لأنها حافظت على قدرتها على إطلاق الصواريخ ــ القذائف على معظم انحاء إسرائيل، وعلى استخدام الاتفاق بنجاح للوصول إلى داخل الأراضى الإسرائيلية ومهاجمة بعض الأهداف العسكرية. (موقع روتر الإخبارى).

 

(2)

 

تلازمنا الدهشة ونحن نتابع التسريبات الإسرائيلية بخصوص موقف مصر من الحرب. لقد كنت أحد الذين انتقدوا تجاهل السلطات المصرية للمقاومة فى المشاورات التى سبقت إعلان مبادرتها بحيث كان الطريق بين القاهرة وتل أبيب مفتوحا لكنه ظل مغلقا مع غزة. لكننى أرجعت ذلك إلى القطيعة الحاصلة بين النظام القائم فى مصر وبين حركة حماس. لأسباب مفهومة راجعة إلى علاقة الحركة بالإخوان بالدرجة الأولى. وظللت اعتبر ذلك خطأ سياسيا من الصعب تبريره وما خطر على بالى وما توقعت ابدا ان تفهم الحسابات الخاطئة باعتبارها تواطؤا بين مصر وإسرائيل ضد المقاومة الفلسطينية. لكن ذلك واضح فى سيل التصريحات والتعليقات الإسرائيلية التى ما برحت تصر على التحالف بين مصر وإسرائيل فى مواجهة حماس والمقاومة الفلسطينية. بل وذهبت إلى أن إسرائيل فى تدميرها لغزة أشاعت انها اعتمدت على «شرعية عربية» ضمت شركاء غير مصر مثل السعودية والإمارات والأردن وهو ما اعتبره البعض هناك «حلفا جديدا» ظهر فى المنطقة. وذكرت بعض الكتابات ان التشاور والتنسيق بين مصر وإسرائيل لم يكن مقصورا على مبادرة وقف الحرب، ولكنه ظل قائما أثناء الحرب ذاتها. فى إشارة خبيثة إلى أن القاهرة كانت تساعد إسرائىل بالمعلومات التى تمكنها من ضرب الأهداف الفلسطينية وإنجاح مهمتها. وكانت تلك هى المعلومة الوحيدة التى نفتها مصر رسميا.

 

لقد ذكرت صحيفة هاآرتس أن إسرائيل حين أربكتها مفاجآت حماس والجهاد أثناء الحرب فسارعت إلى مخاطبة الأجهزة الأمنية فى الدول العربية «الصديقة» للتعاون معها وإمدادها بالمعلومات التى تساعدها فى مهمتها. وقد أكمل القصة موقع «وطنى» الفلسطينى الذى ذكر انه فى هذا السياق وصل إلى غزة وفد خليجى تابع للهلال الأحمر بحجة إقامة مستشفى ميدانى. وضم الوفد 50 شخصا قيل إنهم أطباء. إلا أن الجهاز الأمنى فى القطاع تشكك فى أمرهم وأخصهم للمراقبة. حيث اكتشف أن من بين «الأطباء» بعض العناصر الاستخبارية التى حاولت التعرف على مواقع كتائب القسام ومنصات إطلاق الصواريخ. وحين أخضع هؤلاء للتحقيق، فإن السلطات فى القطاع فوجئت بسفر المجموعة كلها دون سابق إنذار يوم الأحد 10/8، بعد أن تركت المهمات التى جلبتها معها لإقامة المستشفى الميدانى.

 

التسريبات طالت الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى وصفته هاآرتس بأنه «بطل إسرائيل الجديد» وتحدثت عن علاقته الوثيقة بنتنياهو. وذكر موقع «ديبكا» الإسرائيلى ان الرجلين كانا على اتصال هاتفى يومى أثناء الحرب على خطوط آمنة مثبتة من قبل وكالات الاستخبارات فى البلدين. وكانت صحيفة «جيروساليم بوست» قد اعتبرت الرئىس السيسى شخصية العام تقديرا لشخصه وللدور الكبير الذى قام به فى مصر.

 

لا أصدق أن التفاهمات رغم استنكارنا لها يمكن ان تصل إلى حد التواطؤ، وهو المعنى الذى تمنيت أن تهتم بإبرازه والتأكيد عليه أجهزة التوجيه المعنوى المصرية فضلا عن المصادر الدبلوماسية والإعلامية. ومن المؤسف انه فى حين تسكت مصر على تلك التسريبات التى تفتقد إلى البراءة، فإن إسرائيل تمعن فى تثبيتها مستخدمة فى ذلك بعض الكتابات والتعليقات التليفزيونية المريبة التى تصدر فى مصر معبرة عن موالاة إسرائيل وكراهية الفلسطينيين.

 

ذلك كله ينبغى أن يدهشنا، خصوصا اننا تجنبنا التسطيح ونظرنا إلى المسألة فى عمقها الاستراتيجى، وأدركنا أن إسرائيل لم تغير نظرتها إلى مصر باعتبارها العدو والتحدى الأكبر ــ أتحدث هنا عن مصر الدولة أيا كان النظام الذى يحكمها ــ ولذلك فإنها شديدة الحرص على ان تقوض صورة مصر الدولة وتثبت فكرة انها انتقلت من مربع العداء إلى صف التحالف والشراكة ضد الفلسطينيين. وللأسف فإن إسرائيل التى لم تنس مصر العدو تعامل مع جانبنا بأنها بلد «صديق» وقع مصر معاهدة سلام لم يتحقق منذ 35 عاما.

 

(3)

 

المفاوضات التى ترعاها مصر الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين تستدعى دهشة من نوع آخر، فمنذ أكثر من أسبوعين والجدل مستمر حول وقف الأعمال العدائية وفك الحصار وترتيب الاعمار والإغاثة وتحويل الأموال إلى غزة وحرية الصيد فى المياه الإقليمية، وغير ذلك من العناوين التى تصب فى مجرى استمرار التعايش والتساكن بين القاتل والقتيل. كأن المفاوضين يبحثون فى كيفية استمرار الاحتلال بغير منغصات. دون أى إشارة إلى الاحتلال الذى هو جوهر المشكلة وأصل الداء.

 

من يصدق أن هذا الكلام يجرى التفاوض حوله بعد مضى أكثر من عشرين عاما من اتفاقية أوسلو (التى وقعت عام 1993). وهى التى اتفق فيها على انسحاب إسرائيل من الضفة خلال خمس سنوات والبدء فى مفاوضات الحل النهائى بعد ثلاث سنوات؟ ــ وهو ما يعنى أننا فى عام 2014 يفترض ان نكون قد فرغنا من مناقشة موضوعات القدس واللاجئين والمستوطنات تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية!ــ إلى غير ذلك من العناوين التى لم يعد أحد يأتى على ذكر شىء منها، فضلا عن ان حقائقها تغيرت تماما خلال العشرين عاما. فقد محيت القدس التى حدثت عنها أوسلو، وصرنا بإزاء مدينة جديدة تماما تم تهويدها ولم يبق من معالمها سوى المسجد الأقصى وقبة الصخرة وبعض المزارات السياحية، واللاجئون سقطوا من الذاكرة، والمستوطنات تضاعفت عدة مرات بحيث لم يعد ملفها قابلا للمناقشة.

 

الآن نكتشف ان ما تحقق من أسلو أمران هما: اعتراف منظمة التحرير بدولة إسرائيل وإضفاء الشرعية على هيمنتها على 78٪ من أرض فلسطين. أو كل فلسطين ما عدا الضفة والقطاع. ثم التنسيق الأمنى مع إسرائىل الذى وصفته الاتفاقية بأنه «تعاون» بين شرطة السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلى. فضمنت إسرائيل بذلك تثبيت السيطرة على الأرض وإحكام مراقبة البشر، ففازت بكل شىء فى حين أكل الفلسطينيون الهواء! ــ وحتى صارت غاية مراد المفاوضات ان يعيشوا فى أمان فى ظل الاحتلال، وان يكتفوا بالنظر إليه وهو يتوحش ويتمدد ليبتلع الضفة ويدمر غزة.

 

(4)

 

أم المدهشات تتمثل فى تقاعس السلطة الفلسطينية عن الانضمام إلى معاهدة روما بما يسمح لها باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسئولين الإسرائيليين على سجل جرائمهم الحافل. إذ ليس معقولا وليس مبررا ان تمارس إسرائيل كل تلك الجرائم والفظائع ويكون بمقدور الفلسطينيين محاكمتهم وفضحهم أمام العالم، ثم نكتشف ان المتردد والمتقاعس هو رئاسة السلطة الفلسطينية ذاتها.

 

فى الذاكرة الفلسطينية موقف مخز يتعذر نسيانه. حين شكلت الأمم المتحدة لجنة دولية برئاسة القاضى الجنوب أفريقى ريتشارد جولدستون للتحقيق فى الجرائم التى ارتكبتها إسرائيل فى حربها ضد غزة مع نهاية عام 2008. وأدانت اللجنة إسرائيل فى تقريرها الذى أقره مجلس حقوق الإنسان فى جينيف وأيده أغلب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، ثم فوجئ الجميع بأن السلطة الفلسطينية هى التى سحبته وطلبت تأجيل النظر فيه!

 

ثمة إجماع بين النخبة الفلسطينية على ضرورة الانضمام إلى معاهدة روما، لفتح الطريق أمام محاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم. ووحدها رئاسة السلطة هى التى تسوف وتؤجل، حتى ادعت ذات مرة أن حماس هى التى طلبت التأجيل حتى لا يحاكم قياداتها أمام المحكمة. وهو ما نفاه الأستاذ راجى الصورانى مدير المركز الفلسطينى لحقوق الإنسان فى غزة. وقال لى فى اتصال هاتفى إن حماس رحبت بالانضمام إلى المعاهدة وعلى استعداد للمثول أمام المحكمة الدولية إذا اقتضى الأمر ذلك. وأضاف أن السيدة فاتو بن سودة المدعى العام بالمحكمة الدولية أبلغته بأن المحكمة تستطيع أن تباشر مهمتها فور تقدم السيد محمود عباس رئيس السلطة بمذكرة من نصف صفحة تطلب التوقيع على المعاهدة والمصادقة على المحكمة الدولية. وفى رأيه أن أبومازن يتعرض لضغوط تمنعه من الإقدام على تلك الخطوة، مصدرها الأساسى إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. يحدث ذلك فى حين أن المحامين الفلسطينيين لديهم ملفات بالآلاف جاهزة ومترجمة وموثقة تدين إسرائيل فى ارتكاب جرائم بشعة لا حصر لها ليس فقط بحق البشر والعمران، وهى جرائم الحرب الكلاسيكية، ولكن أيضا بحق القانون الإنسانى والدولى. وهذه القضايا الأخيرة أكثر تعقيدا وأشد خطورة، لأنها تتعلق ببناء الجدار العازل الذى أدانته محكمة العدل الدولية، وبالتطهير العرقى الذى تعرضت له مدينة القدس، وبالاستيطان الذى يعد جريمة حرب من الطراز الأول إلى غير ذلك من القضايا التى يمكن أن تفتح أبواب جهنم على إسرائىل. فى حين تؤكد مظلومية الفلسطينيين بما يمكنهم من هزيمة الاحتلال سياسيا وإنسانيا وأخلاقيا.

 

وهو يعلق على التقاعس الحاصل يذكر الأستاذ الصورانى ان شرعية السلطة تكمن فى قدرتها على الدفاع عن آلام الشعب الفلسطينى، أما حين تعجز عن القيام بتلك المهمة أو تمتنع عنها فإن ذلك يجرح شرعيتها ويفقدها مصداقيتها أمام جماهيرها. وليس هناك ما يقال فى هذه النقطة أكثر من ذلك.