إن قرار السعودية ومصر والبحرين ودولة الامارات، اضافة الى اليمن وليبيا، قطع العلاقة مع قطر وفرض عقوبات عليها، هو ضربة شديدة للامارة الصغيرة على شواطيء الخليج الفارسي التي اعتبرت نفسها حتى أمس امبراطورية تقوم بتدوير الشرق الاوسط على اصبعها.
المال والاعلام، أي اموال النفط، وقناة "الجزيرة" منحت قطر قوة وهمية وجعلتها تصبح الولد المشاغب في العالم العربي.
طموح قادتها للعب دور مركزي في المنطقة، ولا سيما اغضاب السعودية “الأخت الكبرى”، التي بينها وبين قطر مذهب ديني مشترك هو المذهب الوهابي، جعل الدولتان تفعلان وتفكران بشكل مختلف عن الدول العربية الاخرى.
في السابق كان لهذا الامر افضلية ما.
كانت "الجزيرة" قناة تلفزيونية تعض، وهي لم تتردد في تناول الظواهر التي اعتبرت مثابة تابو في الحوار في العالم العربي. وكانت تنتقد ايضا الديكتاتوريات العربية، وتستثني قطر وحليفاتها، مثل نظام بشار الاسد في سوريا (الى حين اندلاع الثورة).
ونذكر في هذا السياق استعداد قطر لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.
يبدو أن قطر قد نسيت حدودها. تكتيك قطر في السنوات الاخيرة، تكتيك البقاء ومحاولة الحفاظ على قدرة التأثير. فمن جهة استقبلت قيادة القوات الامريكية في اراضيها، ومن جهة اخرى هي تحافظ على علاقة جيدة مع ايران. ومن جهة تقوم بانتقاد الانظمة القمعية في العالم العربية، لكنها من جهة اخرى اعتمدت “الديكتاتورية المتنورة” في قطر حيث يتم الدوس على حقوق العمال الاجانب الذين يشكلون غالبية سكان الامارة ولا يحصلون على حقوق المواطن الاساسية.
باسم الانفتاح وحرية المعلومات والرأي، تحولت "الجزيرة" الى بوق وأداة للقوى المتطرفة في العالم الاسلامي.
وكانت حركة الاخوان المسلمين هي المعتدلة من بينها. وتجندت "الجزيرة" من اجل حزب الله وحماس، هذا دون التحدث عن الحركات الراديكالية الاخرى في العالم العربي، التي اختارت دائما "الجزيرة" كأداة لنشر الرسائل والبيانات.
وعندما ضرب الارهاب اسرائيل تجندت "الجزيرة" الى جانب حماس أو حزب الله. وعندما ضرب الارهاب اوروبا تفهمت "الجزيرة" دوافع من نفذوا العمليات، لكن القاهرة لم تعد قادرة على تحمل الارهاب الذي يحدث في مصر الآن، لكن "الجزيرة" تقوم بالهجوم على نظام السيسي وتعتبره المسؤول عن موجة الارهاب التي تجتاح الدولة.
الحديث لا يدور فقط عن التغطية الاعلامية المؤيدة، بل ايضا المساعدات المالية للمنظمات الراديكالية في العالم العربي. العاصمة القطرية تستضيف قيادة حماس، وهي الحركة التي أعلن عنها دونالد ترامب قبل بضعة ايام اثناء زيارته في المنطقة أنها حركة ارهابية. أما مصر والسعودية فتعتقدان أن قطر تشجع وتدعم الحركات الراديكالية التي تعمل في هاتين الدولتين.
يسيطر في قطر زعيم جديد يبحث عن طريقه. الدول العربية تصوب الآن المسدس نحو رأسه وتطلب منه العودة الى احضان العائلة والكف عن المشاكسة. والسؤال هو الى أي حد سيستمر هذا الضغط، واذا كان يمكن لقطر أن تصمد في وجهه.
في السابق ايضا عرفت العلاقة بين قطر وجاراتها في الخليج، الصعود والهبوط. لكن في نهاية المطاف استمرت قطر في فعل ما تريد. وفي هذه المرة يبدو أن العرب ضاقوا ذرعا بها، وهم ليسوا مستعدين لتحمل رفض قطر الخضوع لهم. ويمكن القول إنه مثلما حدث في السابق، سيكون حل وسط. ويحتمل بوساطة امريكية، أن تقوم قطر بابعاد عدد من قادة حماس منها لفترة، وأن تخفف "الجزيرة" انتقاداتها للسعودية ومصر. الازمة ستمر، لكن المشكلة تسببها قطر للدول العربية ستظل على حالها.
بقلم : ايال زيسر