يرى البعض أن الطبقات تفرز مثقفيها تجانسا ووعيا ، لأن الأفكار تستمد أهميتها، وتاريخيتها، عند تحولها الى قوى بأيدي الشعب من خلال الوعي النقدي الشمولي للواقع ، وحينها تتحول البلاد إلى كتلة ناهضة بعد أن تمردت على ثقافة اللاجدوى، النخبوية الشكلانية عند المثقف التقليدي الذي يجرّد المعرفة من كل معنى تحرري، إنساني وأخلاقي في حالة من التفرد و التنائى بوصفه فوق الشعوب .
وإذا تأكد هذا فإن انتفاضة "الأطباء" التي قد تؤدي إلى إضراب عام وشامل حتى تتحقق الأهداف الوطنية الكبرى المتمثلة في تحسين ظروف المواطن الصحية، وتحسين ظروف العمل من أجل خدمة صحية جيدة للمواطن. حيث يعاني القطاع الصحي من تدهور فى جميع الخدمات بدءا بالبنية التحتية، والأجهزة ، وانتهاء بتزوير الأدوية. فإن الطبيب هنا أصبح يمارس دوره من موقعه الفكري المستقل والمسؤول لأنه منحاز الى جمهور الفقراء والمهمشين ويتماهي مع المواطنين العاديين ويعمل على نشر قيم التقدم والعدالة لينزع الى الفعل في مستقبل يتشاركه والجماهير بوصفه واحدا منهم و ليس فائقا عليهم ، فمادة ابداعه هى همهم وأحاسيسهم التى يهبونها له .
لذلك فلا غرو إذا كان الطبيب الذي شارك في الوقفة الاحتجاجية الأولى والثانية ويرفع شعار: (القطاع الصحي يتهاوى .. حان إنقاذه ) هو من يتحسس آلام المواطنين ويغرس المعاني الإنسانية الجميلة بين أفراد المجتمع من حيث تعميمه لمفهوم التكامل والتكافل الاجنماعي ومساعدة الآخرين وتحمل آلامهم والتعب من أجل راحتهم ، كما جاء في فقرة من تدوينة لأحد قادة هذا النشاط :
" -الطبيب ضحية تماما مثل المريض (بل أكثر ) لفساد قطاعه.
ـالطبيب كان ولا يزال يحامى عن مرضاه لدى الإدارات والوزارات الوصية (عكس ما يتصور المريض)- الطبيب يحزن ويستاء من رؤية بعض المرضى عاجزين عن دفع التكاليف المادية (التى حددتها مؤسساتهم ) بسبب إنعدام التأمين الصحي لمرضاه .
ـ انهم اذا رأو طبيبا مكتئبا حزينا وغير مبتسم فإنه فى 90% بسبب سوء ظروف مرضاه و ظروفه.
ـ يسهر للتخطيط لبعض عمليات مرضاه (وهم من يتصورونه لاهيا مشغولا عنهم) و يفرح لشفاء مرضاه ودعاءهم له.
ـ أن بعضهم يستطيع وبسهولة واريحية بالغة العمل خارج وطنه إلا أنه قبل تحدي البقاء والإسهام فى إصلاح ما يستطيع.
ـ هناك ثلة وضعت على عاتقها السعي لإصلاح هذا القطاع عكس ما يتمنى المفسدون ".
ومع أن مهنة الطب تعد من أشرف وأرقى المهن الإنسانية بل و أكثرها رحمة منذ القدم ـ مع أنها ليست متاحة للجميع ـ فإن الطبيب في بلادنا الذي يعالج أصحاب الأمراض المعدية ويستقبل من المرضى أضعاف ما يستقبله زملاؤه في الدول الأخرى ، كان من اللائق في حقه أن يحظى براتب مناسب يماثل تماما ما يتقاضاه الولاة والحكام في الإدارات الإقليمية ، كما أن من حقه كذلك أن يمنح قطعة أرضية من الأراضي الموريتانية المترامية الأطراف على غرار ماحصل مع الأساتذة الجامعيين .
ثم إن الأموال الموريتانية الطائلة التي تذهب ليلا ونهارا إلى السنغال وتونس والمغرب من أجل علاج المرضى كان من الحكمة انفاقها في القطاع الصحي المحلي حتى يقتنع المواطن بكفاءة الطبيب الموريتاني ،وهي لعمري مزية ستوفر للدولة فائضا كبيرا من العملات الصعبة .
ومع ان (الطبيب والمواطن ضحية لفشل قطاع الصحة ) وأن هذا القطاع حان إنقاذه كما بين الأطباء ، فلا شك أن أحداثا ضخمة في تاريخ البشرية ما كان لها أن تتحقق وتحدث لولا إجماع كلمةالجماهير، وهذا هو الذي جعلنا نسلط الضوء على هذه القضية لانتزاع رأي عام حولها ريثما ينهض الكتاب وقادة المجتمع المدني بمهمتهم في هذا الجانب .