ولد مزيد يكتب: أخي الوزير أمامك خياران

أحد, 2014-08-24 11:38

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وقائد الغر المحجلين ورضي الله عن الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد فهذه رسالة أكتبها للوزراء الجدد وللوزراء الذين كتب الله لهم عُمْرا ثانيا في أول يوم عمل لهم.

أخي الوزير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد وقع الاختيار عليك لتكون وزيرا في فترة محددة لعلك في هذه الفترة تعمل عملا صالحا وتحقق إنجازات وتساهم في حل مشكلات وأمامك ميراث هو ركام من الفساد لا يخلو من نقط مضيئة هنا وهناك ولديك خياران :

الخيار الأول : أن تسير في درب الفساد الذي سلكه السالكون قبلك فتحاول أن تجمع أكبر قدر من متاع الدنيا في أيام وزارتك المعدودة وتنضم إلى عصابة أشرار ( يأكلون أموال الناس بالباطل )( سماعون للكذب أكالون للسحت ) ( لا يتناهون عن منكر فعلوه ) ( نسوا الله فأنساهم أنفسهم )

تنفِّذ قول الشاعر

أحار بن عمر قد وليت ولايةً فكن جُرَذا فيها تخونُ وتسرق

ولا تحقرنْ يا حارِ شيئا تصيبُه فحظُّك من ملك العراقَيْنِ سُـرَّق

وكاثرْ تميما بِالْغنى إن للغنى لساناً به يسْطُو الغنِيُّ وينطـــق

وتُصَدِّقُ قول الشاعر العراقي معروف الرصافي

كم وزير هو كالوز ر على ظهر الوزاره

مُقْحَم لوكان لفظا شخصُه كان استعاره

وهو لا يملك أمرا غيَر كرسيِّ الوزاره

يأخذ الراتبَ إما بلغ الشهرُ سـراره

ثم لا يعرف من بعــــد خراب أو عماره

والخيار الثاني : أن تحرص على الإنجاز وتسارع إلى الفعل وتبادر إلى العمل وتنتهز فرصة صلاحية توقيعك - فبعد قليل تنتقل هذه الصلاحية إلى خلَفك – وتقوم بأعمال صالحة تنفعك يوم الدين وترفع قدرك بين المتقين وتتذكر وأنت ما زلت في الوزارة قول الله تعالى( إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدَّموا وآثارهم ) فما قدموه هو ما عملوا من الأعمال صالحةكانت أو سيئة وأما الآثار فهي ما تركوا بعدهم من خير أو شر باق في حياة الناس " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء . "

وعندها تكون الرجل الذي عناه القائل :

وكن رجلا إن أتَـوْا بعده يقولون مــرَّ وهذا الأثَــر

وتكون الرجل الذي يستطيع أن يقول

تلك آثارنا تدلُّ علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار

هذان خياران أمامك فإذا اخترت الخيار الثاني- وأنت مختار له إن شاء الله-فهذه معالم في الطريق قد تعينك على ما أنت بصدده

1.  ابحث عن القرار الأصلح الأصوب الأنفع فمن القواعد الفقهية العظيمة التي أرست ( دولةَ القانون ) -يوم كان الحاكم في أرجاء الأرض هو الدولة -قاعدة " تصرفات الإمام منوطة بالمصلحة ." وتقتضي هذه القاعدة أن كل تصرف يقوم به المسؤول لا بد أن يتضمن مصلحة راجحة تخدم المصلحة العامة وهو معزول شرعا عن " المفسدة الراجحة والمصلحة المرجوحة والمُساوية وما لا مصلحةَ فيه ولا مفسدة " على حد تعبير القرافي .ومعنى ذلك أن الوزير ليس حرا في أن يفعل ما يشاء ويتصرف كما يحلو له بل عليه أن يبحث عن القرار الأحسن والتصرف الأصوب ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) وكلُّ الصلاحيات التي تمنحها اللــوائح للمسؤولين يجب أن تكون محكومة بهذه القاعدة الشرعية .

2. من أساسيات الإصلاح اختيار الفريق الصالح أهل القوة والكفاءة والأمانة والاستقامة وعدم محاباة الأقارب والأصدقاء لأن ذلك من خيانة الأمانة المنهي عنه في قول الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) وفي الحديث " من استعمل رجلا على عصابة من المسلمين وفي تلك العصابة من هو أرضى لله فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين . " ومِن عَدْل عمر رضي الله عنه أنه لم يعين أحدا من قبيلته بني عدي إلا رجلا واحدا ممن هاجر إلى الحبشة هو النعمان بن نضلة ثم عزله بعد ذلك

ثم إن الاختيار الجيد – وحده- لا يكفي بل لا بد من المتابعة ففي مصنف عبد الرزاق أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أرأيتم إن استعملت عليكم خير من أعلم وأمرته بالعدل أقضيت ما علي ؟ قالوا نعم قال : لا حتى أنظر في عمله أعمل ما أمرته أم لا ؟

3. من مظاهر التخلف الكئيبة التي تسخر من ( عصرنة الإدارة) مناظر المراجعين وهم يزدحمون أمام باب ( المسؤول الغائب) و ( ملفات الانتظار ) التي يعلوها الغبار ، والتي يدل وجودها على منتهى الاستخفاف بحقوق العباد ، و(المعاملات) التي تقضي الشهور في رحلتها العقيمة من مكتب إلى مكتب وكأنها تنتقل من قارة إلى قارة على ظهور الحمير .

قم بثورة على هذا التخلف ، وامنع مرؤوسيك من الغياب و غلْق الأبواب ، وحارب بقوة وحزم هذا الفساد الأرعن فلقد كان عمر رضي الله عنه يشترط على العامل ألا يركب بـرذونا ، ولا يأكل نَقِيًّا ولا يلبس رقيقا ولا يغلق بابا دون حوائج الناس ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أغلق بابه أرسل إليه محمد بن مسلمة ليحرق الباب لأن مصلحة تحقيق مصالح الناس أكبر من مفسدة إزعاج المسؤول .

أخي الوزير افتح في وزارتك ( مكتب استقبال ) مهمته استقبال المراجعين ، وتوجيههم ، ودلالتهم على المصالح التي تتعلق بها مهماتهم ، وتنبيههم على الأوراق المطلوب منهم توفيرها ، ومساعدتهم إذا احتاجوا إلى مساعدة ، وإشعارهم أنهم يراجعون إدارة أنشئت لخدمتهم .

4. اجعل من أولوياتك رفع الظلم عن المظلومين _وما أكثر المظلومين في إداراتنا الحكومية !!_ ويساعدك على ذلك وضع صندوق للشكاوي والاقتراحات ، و فتح الأبواب وتشجيع المتظلمين ، وإبلاغهم بالاستعداد التام لإزالة مظالمهم ، وتقبل اقتراحاتهم تطبيقا لسنة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز  " من عمل علْمَ شيء ينبغي العمل به فبلغنا نعمل به إن شاء الله تعالى ولا قوة إلا بالله . "

وقد ذكر الدميري في حياة الحيوان عند حديثه عن الفيل قصة ذات دلالة في موضوع رفع المظالم وهي أن أحد ملوك الصين فقَدَ سمْعَه فبكى فقيل له ما يُـبْكيك ؟ فقال إنما أبكي لمظلوم يصرخ بالباب ولا أسمع صوته ثم قال : إن كان سمْعي قد ذهب فإنَّ بصري لم يذهبْ نادُوا في الناس أن لا يلبسَ أحدٌ ثوباً أحمرَ إلا مظلوما .

أخي الوزير أنت أجدر بهذه العاطفة الرقيقة من هذا الصيني .

5. جاءت النصوص الشرعية تمدح المسارعة في الخيرات وتدعو إلى السباق إلى الأعمال التي توجب المغفرة والجنة (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات )( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا و يمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا . " وهي نصوص تخاطب الفرد والمجتمع والرئيس والمرؤوس وتشير إلى أهمية استغلال الوقت في الأعمال الصالحة فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك والأيام تجري بسرعة صورها الشاعر تصويرا دقيقا عند ما قال

تكاد للسرعة في مرها أولها يعثر بالآخر

أخي الوزير تلك معالم في الطريق أرجو أن تعينك إذا اخترت الخيار الثاني

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .