بعد نجاح مسيرة المنتدى، يطيب لي أن أردّ في سطور على منْ يقولون بأنّ "المعارضة بلا فائدة، و بلا مزايا، و عاجزة"... مع الأسف الشديد، هناك موضة جديدة-قديمة اسْمها: جلد المعارضة، و اغتيالها معنويّا، و شيطنتها، و تحميلها وزر الفساد و التخلّف...موضة افتراء و تضليل، و تلفيق...يحتاج إلى توضيح...
إخوتي الكرام، إن كانت لنا حرّيات اليوم، أو انتخابات، أو إذاعات، أو رئيس "منتخب"، أو موالاة، أو لجنة مستقلّة، أو أحزاب، أو برلمان، أو فضائيّات...فذلك يُحسب للمعارضة أكثر ممّا يُحسب للمولاة...و يُعدُّ إنجازا و انتصارا لها، و مكسبا للشعب بفضل نضالها و دفعها للسّلطة إلى الأمام، أكثر ممّا يُعدّ للموالاة التي في الغالب تكتفي بالتّبرير و التّصفيق...تخيّلوا مثلا حال البلاد، لو أنّها بِلا معارضة تُناضل،و تُطالب، و تضغط ، و تدفع، و تُحرّض، و تخرج للشارع... لانتزاع تنازلات سياسية و اقتصادية و اجتماعية لمصلحة البلد؟ أو لفرض تلبيّة مطالب،و تسويّة مشاكل عالقة؟ أو لتحسين ظروف النّاس؟ هل كانت أنظمة الفساد لتتحرّك من تلقاء نفسها باتجاه تطوير العمل الديمقراطي قدر دانق؟ أو باتجاه زيادة الأجور مثقال ذرّة؟ أو تخفيض الأسعار بأوقيّة واحدة؟ أو فتح باب الحرّيات؟ أو بناء طرقات؟ أو تفكير في مصير الكبّات؟؟؟ إنّ أيّ خطوة يخطوها البلد إلى الأمام، لا تأتي إلاّ و قبلها نضال و حراك و "اتْعرْعيرْ"...لذا، و من باب الانصاف، فإنّها تُحسب للمعارضة قبل أنْ تحسب للموالاة.
لماذا؟ لأنّ كلّ ما تقوم به السّلطة من إنجاز سياسي أو مادّي لا يَخْلو من أمرين: إمّا أن يكون بهدف توسيع قاعدتها الشعبية في وجه المعارضة،،،و إمّا أن يكون لغرض تقليص صفوف هذه الأخيرة و سحْب البساط من تحت أقدامها...و في كلتا الحالتين، تكون المعارضة حاضرة بقوّة في ما تقوم به السلطة من عمل، و ما تُخطّطُ له... إذا، فلنعطِ المعارضة نصيبها من النّقد دون جلد، أو ذمّ، أو شيْطنة...
فهي ركيزة أساسيّة و مهمّة في المشهد الوطني العام...و تضطلع بدور لا غنى عنه في تنميّة البلاد على الأصعدة كافّة...هذا طبعا، بصرْفِ النّظر عن الأشخاص...هؤلاء يتحوّلون من موقف إلى آخر، موالون اليوم و معارضون غدا، أو العكس بالعكس...لكنّ المعارضة ككيّان سياسي شريف، تبْقى قائمة، و ثابتة، و موجودة كقطب رئيسي في المشهد الوطني، في مقابل القطب الآخر الذي تشكله الموالاة...و للقطبيْن نفس القيمة و الاعتبار في الأنظمة الديمقراطيّة الحقيقيّة التي تؤمن بتبادل الأدوار، و تداول السلطة...أمّا في ظلّ الأنظمة الاستبداديّة، فالمعارضة وسام شرف، و الموالاة وصمة عار!!!