حرص المرأة الموريتانية علي أن تكون معَّززة مكرمَّة- هذا الحرص أدَّي أحيانًا إلي وجود مظاهر ربما لا توجد إلاَّ في موريتانيا، يعني مثلاً عندما تطلق المرأة عادة ما يكون هذا الحدث في البلاد العربيَّة حدثًا مأساويًا، في موريتانيا يحدث العكس حيث تحتفل المرأة المطلقة عمومًا، وكأنه تعبير عن أن ما حدث ليس انتقاصًا من كرامة المرأة ولا امتهانًا لها, بل أكثر من ذالك قد تطلق عدة مرات، وترجع هذه العادة كما يرى الباحث محمد محمود ولد سيدي يحي مؤلف (كتاب المجتمع الفضفاض) الى أن المجتمع الموريتاني مجتمع أمومي حيث يرتبط بتقاليد قديمة كان فيها الزوج ملزما بالانتقال للإقامة مع أهل زوجته ...
ولقد استغرب أحمد بن الأمين الشنقيطي ” الموريتاني” أن أهل شنقيط يجعلون الوليمة في الزفاف على ولي المرأة وهو ما يخالف السنة عند ما قارن بين مجتمعه الأصلي والمجتمع الذي أقام فيه “مصر”.
وقد لا يختلف كثيرا موقف محمد بن أبى بكر اللمتوني ففي رسالته التي أرسلها إلى العلامة السيوطي نجد استمرارا للوعي الممزق لدى الفقيه الذي يحمل تصورا نموذجيا للمجتمع الإسلامي الأبوي في حين لا يزال المجتمع يورث ابن الأخت كسمة أمومية عنيدة، ومن المعلوم أن الشواهد تؤكد أن المجتمع الصنهاجي ظل يحمل بقايا قرابة أمومية حتى نهاية القرن التاسع الهجري قبل النزوح الحساني الكامل، ليحدث بعد ذلك انقلاب أبوي كبير في محيط العائلة البيظانية غير أن العامل الأهم الذي ساهم في مسح الرابطة الحقوقية الأمومية لن يكون مجرد الهيمنة الحسانية على المجال وإنما أيضا ردة الفعل الدينية القوية التي دافع بها الصنهاجيون “السكان المحليون” في ظل عملية التعريب والتسامي بالدين،(...).
من هنا لن نستغرب إنطباع القاضي الرحالة المغربي ابن بطوطة في القرن الثامن الهجري عن قرية أيولاتن التي تفترض أن تكون الثقافة الإسلامية فيها أقوى بكثير من محيطها البدوي الذي حمل صدمة فقيه مسلم قادم من مجتمع حضري استقرت فيه التقاليد العربية الأبوية الإسلامية الحريمية، حينما شاهد ثقافة أمومية لا تزال تورث ابن الأخت وتعطى حرية كبيرة للمرأة في مجال مخالطة الرجال ” الأجانب” كما لاحظ عندما ما زار قاضي المدينة المرأة التي يتزوجها الرجل ولا تسافر معه ـ وهذا ما جعله يتعجب قائلا ” إن نساءهم أعظم شأنا من الرجال”
ونحن نلاحظ كما هو مشاهد اليوم أن أثار تلك العادات ما تزال قائمة عندنا رغم تبدد نظام الأنساب والإرث القديم، فالمرأة المتزوجة تفضل الإقامة عند أهلها سنة كاملة قبل أن ترحل إلى أهل الزوج..وهذه العادة كما يرى محمد محمود ولد سيد يحي ترتبط بتقاليد قديمة كان فيها الزوج ملزما بالانتقال للإقامة مع أهل زوجته معللا ذالك بأن أولاده سيأخذون ميراثهم من خالهم وليس من أبيهم. وهذا ما جعلها لا تعبأ بالطلاق كثيرا عكس نظيراتها في الدول العربية والاسلامية..
ومن يستقرأ الساحة الحالية يجد أن المرأة الموريتانية مازلت محتفظة بدور ريادي في البيت وفي جميع مناحي الحياة..
فدور المرأة الموريتانية لم يعد يختزله سوق النساء بالعاصمة انواكشوط بل تجاوز ذالك الى القضايا السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ولإعطاء لمحة أكثر عن هذا الدور يجدر بنا الى الرجوع الى محطات مهمة لتنمية المرأة الموريتانية: بدءا من الاستقلال و حتى يومنا هذا :
في ديسمبر 1960م تأسيس اتحاد النساء الموريتانيات و الذي تمحورت أهدافه حول قضايا التعليم والاستقرار الأسري و الدفاع عن حقوق المرأة....حق التصويت والترشح..
و في مايو 1974م تم إنشاء اتحاد ديمقراطي للنساء، يضم كافة الاتجاهات النسائية المختلفة القوميات والمشارب السياسية، يسعي الى الرفع من مكانة المرأة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية تأسس مايو 1974م متخذا المنشورات والندوات والنقاشات والمحاضرات والمهرجانات والإضرابات وسيلة للتعبير..
استمرت المرأة الموريتانية في نضالها من خلال أنشطة المجلس الأعلى للنساء حتى انقلاب 1978م الذي أدى إلى حل جميع الهيئات الشبابية و النسائية...
وفي مطلع الفترة( 1985-2005 ) بدأت المرأة تعود من جديد من خلال خلق عيد جديد لها فيما سمي لا حقا بخطاب النعمة التاريخي 5مارس 1985 م
من هنا بدأ الاهتمام بالمرأة وإشراكها في عملية البناء الوطني بإنشاء قطاع جديد للنساء في الأمانة الدائمة للجنة العسكرية لينتقل الى أمانة تنفيذية مكلفة بترقية المرأة..
1997 /1998 انشاء كتابة الدولة مكلفة بشؤون المرأة..
2007/2008 عادة هيكلة القطاع المكلف بشؤون المراة حيث انتقل من كتابة للدولة لشؤون المرأة إلى وزارة مكلفة بالترقية النسوية و الطفولة و الأسرة...
كما شهد العمل النسوي نقلة نوعية تمثلت في ترقية المشاركة السياسية و التي تجلت أهم مظاهرها في اعتماد نظام التمييز الايجابي (كوتا 20%) الأمر الذي نتج عنه تمثيل غير مسبوق في المجالس البلدية نسبة 33% و في البرلمان بغرفتيه 18% وكذلك حضور بارز لقضايا المرآة وولادة أحزاب سياسية ترأسها نساء بالإضافة إلى إعداد العديد من السياسات القطاعية التي تصب في مجملها في ترقية المرآة و الأسرة و الطفل.
وكذلك تميزت هذه الفترة بإعادة تفعيل المنسقيات الجهوية وتغذية الموارد البشرية للقطاع بدماء جديدة من مختلف التخصصات و التجارب ، ومن أبرز ما ميز هذه الحقبة المطالبة باعتماد بعد النوع في السياسات و البرامج القطاعية للحكومة و دعوة هذه القطاعات للمشاركة في تحقيق أهداف القطاع وتجسدت تلك المطالب بإعداد استراتيجية وطنية للنوع...
وقد وصلت المرأة الموريتانية الى مختلف المراكز السياسية حيث شغلت منصب وزير وسفير ومحافظ وأمين عام وزارة ورئيس حزب، كما ترشحت لمنصب رئيس الجمهورية، واستطاعت بلوغ هذه المكانة بفضل التعديلات التي طالت قوانين الانتخاب في موريتانيا..
ومؤخرا عمدت وزارة شؤون المرأة إلى الوقوف وراء إنشاء الشبكة الموريتانية للنساء البرلمانيات والوزيرات، وهي شبكة من 40 امرأة، وهي بمثابة مجلس وزراء للمرأة الموريتانية هدفه مساعدة السلطات في رسم السياسات الهادفة إلى ترقية المرأة ودمجها في جميع الخطط التنموية وتوسيع دائرة مشاركتهن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..
وفي الأسبوع الماضي، أمر الرئيس بتوسيع تعيينات النساء، وشهدت نسبة الأمينات العامات للوزارت نسبة غير مسبوقة كحق مستحق للمرأة الموريتانية لأول مرة, تعويضا عن التهميش الذي عانته لسنوات,, كما تم تعيين نساء في مجالس إدارات المؤسسات العمومية...
هذه عوامل من بين أخرى أثرت على وضعية المرأة الموريتانية وتغيرت المؤشرات التي تحدد هذه الوضعية من تعليم و صحة و وولوج لمناصب اتخاذ القرار.
فهل تصلح النساء الموريتانيات ما أفسده الرجال ؟؟! بعد أن أصبحن أغلبية في مراكز اتخاذ القرار!!