يقينا أن يوم الجمعة يوم عبادة جماعية بامتياز عند كل الشعوب المسلمة في مشارق الأرض و مغاربها و هو بذلك قد حاز فضلا عظيما على سائر أيام الأسبوع، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
" خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ ، وَفِيهِ أُهْبِطَ ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلا الْجِنَّ وَالإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
و هو أيضا يوم عمل استثنائي و انتشار بأمر من الله لابتغاء فضله جل جلاله حيث تتضاعف ببركته نتيجة و أرباح كل عمل يؤدى في دائرة التحصيل و الاستغناء قبل الصلاة و ينتهي بالنداء منعا "يا أيها اللذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله و ذروا البيع ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون" حتى انقضائها حيث دعا الله المسلمين إلى الانتشار في الأرض و الابتغاء من فضله الذي يشهد كل حراك سهولة و مضاعفة في الخير و إقبالا عليه " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون. صدق الله العظيم".
وتقتضي حماية مصالح المسلمين من قادتهم رعايتها في البعدين الزماني والمكاني وأن يستبقوا لذلك الأحداث في مجرياتها ونتائجها السلبية ثم تقرير المصائر للحفاظ على التوازنات الضرورية واستجلاب المنافع المطلوبة والممكنة في حدود ما يوافق الشريعة وينسجم مع الأخلاق المنبثقة عن الدين وآدابه.
ولأن العالم قد أصبح كتلة واحدة فقد غابت عن الأيام صبغة الماضي بما كانت تحمل من المعاني التي تتجلى فيها السمات المعتقدية والقراءات الميتافيزيقية والحالات النفسية في كل اوجه مزاجها حتى تلاشت الحدود في إطار الزمن الشامل بين السنة الهجرية والميلادية والفارسية والصيينة والهندوسية وسنة هنود "الاينكا و المايا" الأمريكيتين اللاتينيتين وغيرها من المواثيق الزمنية عند عديد شعوب وحضارات العالم، وإن ظلت كل منها تحافظ في الصميم المعتقدي والتمييزي لديها بالإبعاد الروحية في حدود الحفاظ على الخصوصيات.
وأما جميع الناس فقد تكيفوا في خضم العولمة، التي أذابت الفوارق وقلصت الحدود في فرض غير مسبوق لنفسها وتقريب شبه مطلق لكل الشعوب في قواسمها المشتركة والعمل بها، بما أتاحت من انسيابية وتحرر على جمود المفاهيم القديمة مع المعطى الجديد و انسجموا بذلك في دائرة ومتطلبات التبادل والتكامل الجديدين.
من هنا تأتي المصوغات التي قدمت الدولة لصالح قرارها حول الالتحام بالعالم النشط اليوم ، حافلة بمنطقية والسعي إلى أن يستفيد البلد من خيراته الوفيرة والتي مازالت بكل أسف تحبو في طور تصديرها دون تحويلها مواد مصنعة في فضائها و تصديرها بعد ضمان الاستهلاك المحلي منها، ولن يكون في ذلك يوم الجمعة إلا عاملا قويا يجمع بحضوره المميز ضمن الأسبوع العملي صبغته العبادية المطلقة في وجهيها المتعلقين في آن بالعمل الدنيوي الخالص للآخرة والعمل العبادي المحض امتثالا و طاعة إلا تيمنا وفيضا من البركة يصيب بوابل من الخير هذه البلاد ويضمن لأهلها رغدا في العيش وأمنا من الجوع وحماية من استضعاف الآخر مصداقا لقول الله عز و جل (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين.
صدق الله العظيم)