بسام ابو شريف
كل الذين استمعوا لخطاب الرئيس اردوغان يوم الثلاثاء فوجئوا بأنه لم يأتهم بجديد ، وهذا يعني أن خطاب الرئيس اردوغان الذي وعد العالم به قد تغير في اللحظة الأخيرة ، فما الذي حصل في اللحظة الأخيرة قبل القاء الخطاب ؟ وما الذي جعل اردوغان يلغي خطابه المعد ويرتجل خطابا قصيرا لايعطي الا أقل ما أمر هو بتسريبه للصحافة التركية خلال الأسبوعين الماضيين .
الحدث الأهم الذي حصل قبل القاء خطابه كان وصول مديرة CIA الى اسطنبول ، وماجرى بينهما من حديث بقي مغلقا وممنوعا من النشر أو التعليق .
وعادت المديرة الى واشنطن بعد أن اطمأنت أن خطاب اردوغان المرتجل كان بصيغة يرضى عنها الرئيس ترامب . وبما أن خطاب اردوغان المرتجل كان أقل من عادي ، ولم يأت بجديد نجد أنفسنا منشدين الى التدقيق في المشهد الذب سبق الخطاب بقليل وتبعه بقليل ، فقد أبرزت رويتر نقلا عن مصدر مقرب من الرئيس اردوغان أن الأمير ابن تركي عرض حزمة من المغريات على اردوغان رفضها لأنها رشوة سياسية .
الاستخلاص الوحيد من هذا الخبر المسرب هو دفع أي اتهام لاردوغان بأنه ساوم على قول الحقيقة ، والخبر الثاني هو أن سيارة القنصلية السعودية التي كانت مركونة في كراج لأيام عديدة تم تفتيشها وأنه وجد فيها أشياء متعلقة بجمال خاشقجي ؟! ، ويبدو أن هذا الخبر أجل نشره لما بعد القاء الخطاب حتى لا يجبر اردوغان على ذكره في الخطاب .
فقد حرص اردوغان على انتقاء العبارات بدقة شديدة بحيث أن كل كلمة فيه كانت صحيحة لكن مجموع الكلمات لايعطي الحقيقة ، لم يقل شيئا غير صحيح لكنه لم يعط الحقيقة في كل الكلمات الصحيحة التي قالها ، واقتراح اردوغان بمحاكمة رجال الأمن المتهمين بالتورط في القتل في اسطنبول هو نوع من التحدي البسيط الذي لايدخل في غمار قول الحقيقة ، لابل ربما يساهم في ابعاد الاهتمام بما ذكره هو من ” ضرورة الوصول الى رأس السلم”، على كل الأحوال الأمر ليس أحجية، بل واضح كل الوضوح فقد كلف الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان بترؤس اللجنة التي ستشرف على التحقيق ” وهي لجنة وزارية “، أي عين الذي أصدر أمرا بقتل جمال الخاشقجي ( واستخدم عبارة اقطعوا رأسه اذا رفض المثول أمامي في الرياض ) ، رئيسا للمحققين مصدر أفكار محمد بن سلمان حول جلب المعارضين للتحقيق في الرياض هو ذلك التقرير الذي قدمه له كوشنر حول محاولات من معارضين سعوديين ( وبعضهم من الأسرة الحاكمة اقناع الادارة الاميركية بعدم صلاحية محمد بن سلمان لادارة البلاد ، وأن التهور والاجرام مرض نفسي لديه ، وأنه تمت معالجته أو محاولة معالجته أكثر من مرة ) .
ولا شك أن ما كتبه وقاله جمال خاشقجي في واشنطن وفي الواشنطن بوست جعل كوشنر منزعجا جدا لأنه يؤدي الى ارباك في خطط كوشنر لمحمد بن سلمان ، وليس أقلها دفعه للسير بالقوة في طريق صفقة القرن ، ولا أشك لحظة أن كوشنر تحدث أكثر من مرة مع محمد بن سلمان خلال هذه المرحلة ، وشجعه على التماسك وطلب من ترامب الا يتسرع وأن يتريث.
أما اردوغان فكما يبدو أغلق فمه عن قول الحقيقة نتيجة ضغوط ووعود ، لكنني أعتقد أن حزبه قد أصبح محقونا بالرغبة في كشف دور العائلة المالكة فهل يغير موقفه ؟ ، قد يكون الثمن كبيرا ، وعلى الأكراد هنا أن يصحوا لما يمكن أن يفعله بهم الأميركيون … وقد … وقد ، اما الغرب فهو المخادع والكاذب دائما يتلاعبون على الكلام ويقولون أن الحقيقة هي ما سيقوله السعوديون !! ، وزير الخارجية البريطاني أجبر على تغيير تصريحه بعد أن صرخت تيريزاماي بوجهه ، فهم جميعا يقتلون الآلاف من الأطفال في اليمن عبرنفس القاتل ولايتوقفون لحظة عن تزويده بالسلاح ، فقتل شعب آمن مسألة فيها نظر.
الشيء المؤكد هو أن ماقاله جمال خاشقجي ، وهو الذي خدم النظام طوال عمره: ” من يتنازل عن القدس سيسهل عليه التنازل عن الحرمين”، هو الشيء الحقيقي.