"إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ" / د : أحمد محمود ولد افاه

سبت, 2014-09-27 12:51

اخترت هذا الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عنوانا للتعقيب على ما طالعتنا به بعض المواقع الالكترونية حول ما أسمته (خروقات في مسابقة اكتتاب مدرسين باحثين لفائدة جامعة العلوم الإسلامية بلعيون)، وعلى وجه الخصوص ما نشره موقع (تقدمي) تحت عنوان: "رئيس لجنة المسابقة في جامعة لعيون يمنح التفوق لابن عمه على حساب أساتذته".

ولا أنكر أنني بداية لم أرد التعليق على الموضوع لأسباب عديدة منها تفادي الانجرار إلى مهاترات كلامية أقدر جيدا الوضع النفسي لمثيريها... لكن حجم المغالطات والإساءة الشخصية واستغلال البريق الدعائي والعلاقة ببعض المواقع الالكترونية للتحايل والتحامل وترويج الأباطيل جعلتني أميط اللثام عن بعض الوقائع والحقائق، كي يستفيق الرأي العام ولو لبرهة من تأثير وسائل الإعلام والصورة الذهنية (الزائفة) التي تشكلها في أغلب الأحيان من خلال التعرض المستمر!! وإتاحة المجال لرؤية الواقع كما هو دون تلميع أو تعديل أو تحريف...

  وقبل الخوص في التفاصيل أود أن أبين للقارئ الكريم ما يلي:

- المسابقة لم تنظمها جامعة العلوم الإسلامية بلعيون، بل هي مسابقة وطنية بموجب مقرر وزاري مشترك، تستفيد الجامعة من الأساتذة الذين سينجحون فيها، وتشرف عليها لجنة يرأسها مدير البحث العلمي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتضم المدير العام للوظيفة العمومية وممثلين عن الوزارة الوصية واللجنة الوطنية للمسابقات والمجالس العلمية والتربوية فضلا عن مجموعة من الخبراء حسب التخصصات المطلوبة تم اختيارهم من جامعة نواكشوط والمدرسة العليا للتعليم والمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية بناء على التجربة والخبرة والنزاهة المشهود لهم بها في مسابقات مماثلة.

- شبكة التنقيط المعتدة في هذه المسابقة والضوابط المعايير التي اتبعت فيها هي نفسها التي اعتمدت واتبعت في آخر مسابقة أجريت لفائدة مؤسسات التعليم العالي الأخرى، كما أن رئيس لجنتها ترأس لجان مسابقات سابقة.

- لم يتم مطلقا الاطلاع على أي ملف أو تقييمه دون حضور جميع أعضاء اللجنة المعنية بذلك.

- إعلان المسابقة تضمن تنويها إلى ضرورة أن يودع المترشح ضمن ملفه جميع الوثائق والإفادات والمستندات التي يراها هو ضرورية في التنافس.

- تم التأكيد لجميع المتسابقين على عدم امكانية إضافة أي وثيقة أو مستند يتعلق بشبكة التنقيط بعد إيداع الملف، وبضرورة إحضار أصول الشهادات والوثائق التي تم إيداعها، عند مقابلة اللجنة.

- جرت جميع أعمال اللجنة في نفس المكان الذي يحتفظ فيه بملفات المترشحين داخل مباني وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك بشكل شفاف ومفتوح أمام جيع أعضائها. وعليه فإن جامعة العلوم الإسلامية لا علاقة لها نهائيا بسير المسابقة، كما أن رئيس اللجنة امتاز بالتجرد وإدارة العمل بروح وعمل الفريق، وربما كان حلمه ورحابة صدره وصبره اللامحدود على البعض هو ما جعلهم يجترئون عليه!!

وبالرجوع إلى المنشور في صحيفة (تقدمي) فإنني لن أقف عند شكله ولن أحمل القائمين على الموقع مسؤولية رداءة صياغته كـ(ـخبر) بدءً من العنوان؛ كوني أعلم أنهم استلموه جاهزا للنشر... لكن ألومهم كثيرا على تبنيهم الموضوع والقبول بعدم نسبته إلى كاتبه دون بحث الموضوع من جوانبه المختلفة ومعرفة وجهات نظر الأطراف التي عرّض بها بشكل صريح وهو ما يشكل خللا مهنيا بينا! طبيعي في أي مسابقة أن يكون هناك رابحون وخاسرون ناجحون وراسبون، لكن ما ليس طبيعيا وفي مسابقة على هذا النحو وبهذا المستوى لأساتذة وباحثين ومربيي أجيال  أن تكون ردود الأفعال طابعها العام سوء الظن والتحامل والتجريح!؟ قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات12) .وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا". أخرجه أحمد 2/312(8103) والبُخاري 6064 وفي (الأدب المفرد) 410.

وكنت أربأ بالأخ والزميل الحسين ولد مدو أن يهفو ويزل على هذا النحو مهما كانت طبيعة (المشائين)، كونه يفترض أن يكون (أعلم) بواقعه وبالوقائع والإجراءات المتبعة في دراسة الملفات، وبالأشخاص أيضا.

ومع الاعتذار لجميع القراء مسبقا عن مستوى التعاطي الذي فرض عليّ، أود توضيح أنني إلى وقت قريب واستنادا إلى أن الإحسان جزاؤه مثله، كنت أحسب الزميل الحسين يبادلني معاني ومواقف الزمالة والأخوة حيث كنت قدمته للتدريس في المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية وتشهد الإدارات المتعاقبة وزملائي في المجلس العلمي للمعهد حينها على دفاعي المستمر عنه رغم (الملاحظات) المزمنة، والحال نفسه ينطبق على تعاونه مدرسا في كلية الآداب بجامعة نواكشوط وجامعة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، فضلا عن اقتراحي له باستمرار في أي لجنة أو عمل يتعلق باختصاصه... ولا أستطيع في المقابل القول إن زميلي العزيز غير متعاون معي لأنني في الواقع لم أقصده يوما ما ولا لحظة في أي أمر، والفضل والمنة هنا وفي كل حين لله رب العالمين... أما ما ذهب إليه من قصة الطالب في المعهد العالي سنة 2010 فإن موقفي فيه خال من أي أغراض، وإن كان تعرض لأي ظلم أو تفريط فإن المسؤولية الأخلاقية والقانونية تقع بالكامل على أستاذه المشرف، ولتبيان الحقيقة أسرد القصة بإيجاز حيث كنت حينها رئيسا لشعبة الحضارة والإعلام بالمعهد، والنظام المعمول به أن نتائج بحوث التخرج تستلمها الشعبة حصريا برسالة موقعة من مدير البحث بعد أن تودعها لجنة النقاش لدى المصلحة المعنية التابعة لإدارة البحث، والطلبة الذين تتأخر نتائج بحوثهم يعتبرون مكملين في الدور الثاني، وأذكر أن اللجنة المشرفة على الامتحان في حينه انتظرت حتى نهاية الدوام الرسمي للتأكد من رصد جميع النتائج المودعة لدى إدارة البحث، ثم قام أعضاء اللجنة بتوقيع المحضر النهائي للنتائج وإعلانه للطلاب وارسال نسخ منه إلى المصالح والجهات المعنية، بعدها جاء الطالب (الضحية) وهو من الطلبة المتفوقين ليقول إنه ناقش قبل شهر ولم تظهر نتيجة بحثه، فقمنا مجددا بالبحث عن نتيجته وتأكدنا أن جميع المصالح المعنية ليست لديها نتيجة لبحث تخرج هذا الطالب، بعدها جاء أستاذه المشرف الحسين ولد مدو ليقول إن الطالب ناقش وإن محضر النقاش وضعه هو حينها في جيبه وذهب به إلى المنزل لكنه ضاع ويريد أن يحرر له محضرا جديدا، وبعد التداول بين الشعبة وإدارة البحث والإدارة العامة تبين أن أي محضر نقاش يصل إلى إدارة البحث ستوجه به رسالة إلى الشعبة في تاريخ لاحق لمحضر النتائج وبالتالي يستحيل تضمين النتيجة في المحضر الأول، وتمت إضافة نتيجة الطالب ضمن محضر الدور الثاني وأخذ تسلسله الطبيعي لكن لم يكن ضمن الممنوحين كون المنحة تعتمد نتائج الدور الأول، والأستاذ هنا مصدق في ما قاله ما من شك في ذلك لكن (القاضي لا يحكم بعلمه)، فمن الذي أهمل الطالب وفوت عليه الفرصة وأضاع حقه؟!.

أما كيل التهم لي ولرئيس اللجنة جزافا، فأبسط ما يمكن أن يوصف به كما قلت أنه سوء ظن؛ (وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (النجم28)، وروى أبو داود في سننه  وأحمد في مسنده بإسنادٍ صحيحٍ عَنْ ‏ ‏سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ‏عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ ‏ ‏قَال : (‏إِنَّ مِنْ ‏ أَرْبَى ‏ ‏الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ ‏ ‏فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ)، وقال الإمام الشافعي رحمه الله "مَن أحب أن يقضي له بالحسنى فليحسن بالناس الظن".

ومن غير المنطقي أنه كلما لم يوفق شخص في نيل مبتغاه استباح أعراض الناس وعرّض بهم وسفه أعمالهم، وما لا يعلمه الكثيرون أن عمل لجنة الاكتتاب في هذه المسابقة جرى بقدر من الشفافية والوضوح يستحيل معه أن ينفرد شخص أو أشخاص بأي قرار أو إجراء وأن التقييم جماعي ويتم بشكل واضح ومعلن بين جميع الأعضاء ولا مجال لغمط حق أي مترشح، وتم التعامل مع الملفات وفق نفس المعايير والضوابط وإن كان هناك ما يمكن أن يوصف بأنه تقدير موقف أو تساهل فإن الملف الوحيد الذي حظي بمثل هذه الخصوصية هو ملف الأستاذ الحسين فهو لم يحضر أصول بعض الشهادات ولحد الآن ليست لديه شهادة الماجستير التي ترشح بها فكل ما لديه هي وثيقة معنونة بـ(شهادة نجاح مؤقتة) صادرة عن جامعة الجزائر سنة 2000م أي منذ أربع عشرة سنة ولحد هذا اليوم لديه فقط (شهادة نجاح مؤقتة)!!؟ وسيرته الذاتية المسحوبة من موقع اللجنة الوطنية للمسابقات مثبت فيها أن التخصص (قانون) وليس (إعلام) وفي قرار اكتتابه بوزارة الصحة أنه (مهندس)!!.. في ماذا.!؟

على كلٍ لم تكن هذه الأمور كلها محل اعتراض من أي عضو في اللجنة لاعتبارات أخلاقية يدعمها طبعا الحضور والتعرض المستمر عن طريق وسائل الإعلام!!... كما أن المترشح (الحسين) اعتبر له أقل ما يجزئ من الأدلة والإفادات المقدمة، وكان الوحيد من بين المترشحين الذي تردد على اللجنة خارج الوقت المحدد للمقابلة وتم بحضوره مراجعة جميع الوثائق التي قدمها وتأكد من تنقيطها، ولن أدخل في حيثيات المقابلة وما حظي به فيها (...) رغم الحرج الكبير... لكن الإشكال أنه رغم عدم ظهور النتيجة النهائية نجده يصر أنه الأحق بالنجاح؟!! ويعطي لنفسه الحق في سب الآخرين وكيل التهم لهم، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ (النساء 49)

أما ما ذهب إليه البعض من تسريب لبعض مداولات اللجنة ونتائج المسابقة قبل إعلانها فإنه أمر لا يحظى بكثير أهمية لأن اللجنة ليس لديها ما تخفيه أو تحجبه، وربما يكون الخلل الوحيد فيه أن أعضاء (مؤتمنين) من اللجنة أفشوا مداولاتها، والراجح أن ليس لديهم قصد سيئ من ذلك، كونهم حديثي العهد بعمل من هذا المستوى، لكن من المؤسف أنهم قد لا يقدرون تبعاته القانونية والإدارية. أسأل الله تعالى أن يعيننا جميعا على أنفسنا، وأن يطهر قلوبنا من الحقد والبغض والرياء، ولنا في أبي دجانة رضي الله عنه أسوة حسنة: دخلوا عليه في مرضه ووجهه يتهلل! فقالوا له:ما لوجهك يتهلل؟ قال:"ما من عملِ شيءٍ أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلَّم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليما".

والله من وراء القصد

أحمد محمود ولد افاه