حين تروي فاطمة قصة تجربتها المهنية في قيادة آليات نقل خامات الحديد العملاقة جيئة وذهابا وبشكل روتيني بين مناجم شركة الصناعة والمعادن (سنيم) في محيط مدينة الزويرات المنجمية بأقصى شمال موريتانيا، لا يجد السامع بدا من مشاركتها ذاك الشعور الداخلي بالألم النفسي المفعم بخيبة أمل تكاد تغلب على حديثها الآسر المؤثر...
ذلك أن هذه السيدة التي حطمت حواجز النظرة البدائية المتخلفة لمجتمع ظل الى عهد قريب يكبل المرأة بقيود عقلية الخمول ويزج بها في غياهب الدونية والجمود الفكري والنفسي والجسدي؛ مكرسا بذلك حالة الشلل النصفي المزمنة التي عانى منها لقرون طيلة؛ نجحت في تبوء موقع ريادي في مجال ما يزال إلى اليوم حكرا على الرجال؛ فلم تكتف برواج العمل في قطاع التعقيد وقسوة استخراج واستغلال المناجم، بل فرضت لنفسها موقعا بين الرجال فترفعت على مقعد قيادة أضخم آليات نقل خامات الحديد من المنجم إلى محطات القطار الذي يتولى نقلها نحو ميناء التصدير بنواذيبو.
حازت فاطمة سبق الريادة والتميز من خلال بروزها بنجاح وتألق في مهنة ما تزال إلى اليوم الوحيدة ضمن مجموع نساء موريتانيا التي تزاولها بشجاعة واندفاع وتميز.. دون أن تلقى لدى الإدارات المتعاقبة على تسيير الشركة المنجمية العملاقة، ولا لدى القطاع الحكومي الوصي عليها، ولا لدى الدولة أي نوع من التكريم او التشجيع؛ ما يشي بسعي خفي ممنهج أثنائها عن مواصلة مسارها المهني الناجح بكل المقاييس، وبالتالي قتل أي طموح لدى المرأة الموريتانية عموما للإسهام في تنمية بلدها وتجسيد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات المترتبة على المواطنة الحقة بينها وبين أخيها الرجل.
مساواة تظهر وضعية هذه السيدة المؤمنة بأن ليس للإنسان إلا ما سعى، أنها لم تزل في طور الطموح والطرح النظري إذ بقدرما ينتابها الشعور بالفرح والاعتزاز كلما حاز أي من زملائها في العمل على تقدم في السلم المهني، من مستوى عامل من الدرجة الأولى (M2) إلى درجة M3 زاد إحساسها بألم الخيبة والإحباط وهي التي سبقت غالبيتهم وتفوقت عليهم في العمل .