من مصائب هذا الزمان ؛ما يراد للاستهلاك المحلي من وعود سياسية ؛ وبيانات عنترية ؛ وخطب حماسية ؛يستغرق فيها المواطن البسيط لحظة من الزمن يستبشر بها ويتناقلها ؛ وبعد برهة تخبو ويأفل نجمها وينقشع غيمها عن برق خلب .
لقد حاول النظام مهادنة قطاع ملف التعليم في مأموريته الأولى وطمر أوحاله بارتجال قرارات تصبغها قلة الإرادة الصادقة.
بل هناك قناعة راسخة لدى البعض ؛ أن كل قرارات الدولة وما يصدر عنها من قوانين و مراسيم ؛ و ما يقال في أبواقها عن إصلاح التعليم ؛ من ضبط مصادره المالية والبشرية ؛ ما هو إلا للاستهلاك المحلي؛وتخدير الرأي العام ؛وتغليب الدعاية فيه على المعالجة.
لا نجادل أن للدولة إرادة قوية؛ وعلى رأسها إرادة الرئيس ول عبد العزيز على الأقل في بعض المسائل؛ لكنها إرادة موجهة حسب الزمان والمكان؛ الذين يصطفيهما صاحب القصر الرمادي.
صحيح وجدنا له إرادة وعزما في الحالة المدنية ؛ وفي أحلك الأوقات ؛ رغم غليان ظرفها ؛ و اشتعاله بقذائف ؛ تلتهب بتهم العنصرية ؛ وخطر الثورات العربية ؛ والتهافت على تبديد المال العام ؛ و تجنيس الأجانب ؛ مع كل هذه العراقيل ؛ رست الحالة المدنية على شاطئ الأمان ؛ وصارت حقيقة ماثلة وإنجازا وطنيا ؛
و دكاكين أمل مهما قيل عنها ؛ لها حظ وافر من النجاح ؛ بفضل الإرادة الصارمة ؛ والقبضة الحديدية على المتلاعبين بها ؛ والتخطيط العمراني لمدينة انواكشوط ؛ استسهل الصعاب ؛ وحشد الموارد في سبيل خدمتها ؛ حتى قطع شوطا ؛هذه القرارات و التسيير الأحادي للدولة لا يراد منها الدعاية ؛ بقدر ما يراد لها الإنجاز.
لكن البائس قطاع التعليم ؛ الذي كان ومازال يحتضر؛ ومنذ أمد نجده يئن في غرفة الإنعاش ؛ ويفترسه فيروس النسيان و الإهمال ؛ وخور التلكؤ والإحجام ؛قطاع مسلوب الإرادة ؛ عديم المرد ودية زهيد الفائدة ؛صانع القرار يغفله أو يتغافل عنه ؛ لا يمنحه عناية ولا قوة عزيمة ولا حسن متابعة ؛بادرت حكوماته المتعاقبة بجرعات ارتجالية ؛ بدعوى الإصلاح ؛ فعجزت عن حلحلة ما فيه من مطبات و أوحال ؛ كمشروع الطاولات ؛ ومدارس الامتياز؛ وبعض المحفزات الخجولة لموظفي القطاع .
أم المصائب في وزارة التهذيب هذا الوهن الذي يدب في كل مفاصلها؛ والتردد و الإحجام في تنفيذ كل ما يصدر عنها ؛ لقد أصابها الخور والإحجام في إعادة بعض المراقبين في السنوات الماضية على سبيل المثال ؛والإعراض عن نتائج المنتديات العامة للتربية والتكوين؛ وصارت مرتعا للمكائد السياسية وتصفية الحسابات ؛ فهذا مدير جهوي ـ يتندر زملاؤه بحالته ؛ و يشهدون له بالتفاني في عمله ـ يكافأ في نهاية السنة الماضية بضرورة العمل ؛خارج الولاية التي كان يعمل فيها ؛ جريرته – حسب ما قيل - إجلاله عرق العمل على حساب السياسة .
و قرار إعادة المعارين الذي صدر اليوم؛ فيه من الروعة ما فيه؛لكن أخشى ما أخشاه أن يكون نتيجة صراع نفوذ؛ بين طبقة سياسية من عهد ول الطائع ؛ تتهاوى حصونها الآن ؛ وتهتز وتخف قبضتها على مفاصل الدولة؛ بسبب ضغوط طبقة سياسية برزت في ظل عهد جديد ؛يطاردهم احتجاز جميع منافذ الفساد وأوكاره من ذاك الحلف ؛ فسعيها الآن حثيث في تفريغ مواقعهم لتسد مسدهم .
فأحدثوا فرقعة إعلامية بامتياز؛يتم تفريغها من محتواها ؛ بدعوى التمييز الإيجابي و الحاجة الملحة حتى لا يشمل عناصرهم ؛ ويسلطونها على رقاب أولائك الذين فقدوا أوتادهم وظهرانيهم في أوكار الفساد ؛ يشفع لهذا القول ما أعلن أن < وزير التعليم يصادر بيانا يثمن قرار إعادة المدرسين > .
نحن اليوم نعيش حالة يأس وقنوط من إصلاح قطاع التعليم؛ و الأفق نراه مسدودا؛ و الإرادة السياسية الصادقة غائبة؛ وصرنا لا نأمل الإصلاح ؛ وإنما قليل من الفساد في وزارة التهذيب صار يكفينا.