في الأشهر الأخيرة، اتخذت البرلمانات في أيرلندا وتشيلي إجراءات غير مسبوقة تضع قيودًا شديدة على التجارة الاقتصادية مع المستوطنات الإسرائيليّة في الضفة الغربية، وعلى الرغم من أنّ هذه القرارات ليست ملزمة في هذه المرحلة، وأنّ تأثيرها المباشر محدود، إلّا أنّ قبولها يعكس عدم شرعية المستوطنات المتزايد لدى العديد من الجهات الدولية واستعداد هذه الجهات لاتخاذ إجراءات ملموسة ضدها.
وهذه القرارات، إلى جانب إمكانية قيام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بنشر قائمة سوداء لشركات إسرائيلية ودولية نشطة في المستوطنات، قد تؤدي إلى خطوات إضافية يمكن أنْ تؤثر سلبًا على الموقف العام والسياسي العالمي للكيان وحريته السياسية في العمل الدولي وحتى أيضا التأثير على اقتصاده، هذا ما جاء في مقدّمة دراسة إسرائيليّة جديدة عن حملة المقاطعة ونزع الشرعية عن الكيان.
ورأت الدراسة الصادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ، التابع لجامعة تل أبيب، رأت أنّ القرارات الأخيرة لدولتي تشيلي وأيرلندا بمقاطعة البضائع الإسرائيليّة المنتجة في المستوطنات الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة المُحتلّة تُشكّل أضرارًا كبيرةً بالوضع السياسي لكيان الاحتلال على المستوى العالميّ، على حدّ تعبيرها.
ولفتت الدراسة إلى أنّ الدولة العبريّة تتواجد أمام قراراتٍ غيرُ مسبوقةٍ، وتضع المزيد من القيود على العلاقات الاقتصاديّة لكيان الاحتلال معها، كما أنّها تقوم بتشجيع المزيد من اللاعبين في العالم، على التأثر بهذه القرارات بحيث يعملون على محاكاتها، كما أكّدت.
وأضاف أمير فيرغر الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، في الدراسة المذكورة أنّ خطورة هذه القرارات هو تزامنها مع اقتراب إعلان مجلس حقوق الإنسان لما بات يعرف بالقائمة السوداء الخاصة بالشركات الإسرائيليّة والدوليّة العاملة في المستوطنات بالضفّة الغربيّة، وهو ما سيضع المزيد من العقبات أمام حرية العمل السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية، وربما تمس أيضا بالاقتصاد الإسرائيليّ، على حدّ قوله.
بالإضافة إلى ذلك، لفت الباحث فيرغر إلى أنّ التداعيات والتبعات السلبيّة للقرارات تتطلّب من الدولة العبريّة اتخاذ خطواتٍ استباقيّةٍ لتقليص تأثيرها، ومنع توسيعها إلى دول أخرى، لأنّه من المتوقع أنْ تدفع مثل هذه القرارات أطرافًا أخرى كالاتحاد الأوروبي لتقديم قوانين مشابهة، وتغيير سياستها إزاء المستوطنات الإسرائيلية، ومنع الشركات الأوربية التي تعمل في المستوطنات من مزاولة أنشطتها الاقتصادية في أوروبا، وربما فرض عقوبات على هذه الكيانات المنخرطة في المشاريع الاستيطانية، كما أكّد الباحث الإسرائيليّ.
عُلاوةً على ذلك، أّكّد فيرغر، الباحث في قسم حملات نزع الشرعية وحركات المقاطعة (BDS)، على أنّ أولى الخطوات المطلوبة تتمثل بتجديد المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين، أوْ على الأقل إبداء رغبة قوية باستئنافها معهم، بما يرضي المجتمع الدولي، ما سيعمل على تقليص الدعم لدعوات المقاطعة، ويمنح صناع القرار في الدول التي تشهد دعوات المقاطعة إمكانية كبح جماحها، ووقف توسعها، كما قال.
وأضاف فيرغر، الذي عمل لسنواتٍ طويلةٍ كضابطٍ في شعبة الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة (أمان)، أضاف قائلاً إنّ الخطوة الإسرائيليّة الثانية المطلوبة تكمن في طبيعة الرد الإسرائيليّ المتوقع على صفقة القرن الخاصّة بالرئيس الأمريكيّ دونالد ترمب، ما سيكون له تأثير كبير على التعامل الدولي إزاء كيان الاحتلال، وفق تعبيره.
كما أوضح في سياق الدراسة أنّ الخطوة الثالثة، التي اعتبرها لا تقل أهمية عن الخطوات السابقة تتجسّد في التقدم بمشاريع اقتصادية مع الفلسطينيين، سواءً من خلال عملية سياسية، أوْ بدونها، والعمل على دمج أطراف دولية للانخراط في هذه المشاريع، من خلال زيادة نفوذها، وتأثيرها، كجزء من النشاط الدبلوماسي والإعلامي الإسرائيلي، قال فيرغر.
كما دعا الباحث الإسرائيليّ إلى خطوةٍ رابعةٍ تتعلق بتكثيف العمل الإسرائيليّ في خوض مناقشات مع الحكومتين الأيرلندية والتشيلية للتأثير على المجالس البرلمانية فيهما، لوقف تطبيق هذه القوانين، ومنع سنّ قوانين أخرى مشابهة.
وبرأي الباحث فإنّ الخطوة الخامسة التي يتعيّن على إسرائيل انتهاجها تكمن في توسيع قنوات التجارة البينية الإسرائيلية-الأوروبية، وهذه خطوة كفيلة للحد من الآثار السلبية لهذه القوانين، فضلا عن خطوة سادسة تتمثل بفحص مدى موافقة القرارات الأيرلندية والتشيلية للاتفاقات الدولية الموقعة عليها هذه البلدان الثلاثة التي تمنع سياسة المقاطعة.
وساق قائلاً إنّ الخطوة السابعة للتعلّق بالعمل على متابعة إسرائيل وتشخيصها لأيّ نشاط مسبقٍ لحركات المقاطعة ونزع الشرعية، هي من أجل الحدّ من إصدار قرارات وقوانين جديدة من خلال تكثيف التواجد الإسرائيلي في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لمنع تغيير أي سياسة متوقعة تجاه المستوطنات الإسرائيلية تأثرًا بالقرار الأيرلنديّ، مُختتمًا في الوقت عينه أنّ عدم قيام الدولة العبريّة بالخطوات التي أتى على ذكرها في الدراسة، سيؤدّي عاجلاً أمْ آجلاً إلى تشجيع هذه القرارات، ويجعلها تشكل نقطة انطلاق لقرارات أكثر قسوةً وحدّةً تجاه الكيان، على حدّ تعبيره.
جديرٌ بالذكر أنّ تل أبيب تعتبر دبلن “عاصمة المُقاطعة لإسرائيل”، وتتهمها بأنّها تقود الحملة ضدّها في القارّة الأوروبيّة لنزع الشرعيّة عنها وعزلها دوليًا وعالميًا بسبب سياساته ضدّ الفلسطينيين.