تتأثر النظرة للمستقبل بعوامل ذاتية، ولكنها ليست فقط مسألة نفسية وإنما ترتبط بالظروف الموضوعية التى يعيش فيها المرء. وعندما ينظر الشباب الموريتاني الى حال مجتمعه ويقارن ما لديه بما عند آخرين شرقا وغربا، أو يقارن بين قدراته التنافسية العالية كشباب فى مجتمع متأخر مع نظيره فى مجتمعات متقدمة، أو بين ما يراه حلولا جاهزة عندنا (من التاريخ أو الدين..) لكل مشاكلنا وما يراه متحققا منها فى الواقع..، فالطبيعى أن يبحث الشاب عن تفسير لهذه المفارقات ثم اتخاذ موقف منها، فيظهر نوع من الإنقسام النفسى/السياسى بين متفائل يأمل فى اقتراب دوره للمشاركة فى السلطة وإحداث إصلاح . ومتشائم لا يجد أفقا أمامه ويرفض الإنخراط فى الأطر الرسمية.
وربما يؤدى ذلك الى انتقال المواجهة بين الشباب والنخبة الى مواجهة بين الشباب أنفسهم، لأن آليات المشاركة والتمكين الرسمية لا تستوعب الفريقين معا. ولنأخذ مثلا حالة التفاعل بين شباب يناصر التغيير وشباب يعاديه.
حينما يصل تفكير الشاب الى طرح سؤال: من المسئول عن هذا الوضع، يظهر تجسيد آخر للإنقسام بينهم، بين من يلوم الشباب بأنه ينقصه الطموح والمبادرة ويريد الديمقراطية حتى باب منزله ولا يتمتع بنفس طويل فى عملية الإصلاح ويتجاهل الظروف الصعبة لمجتمعه من نقص موارد وتاريخ احتلال وانتشار الأمية والقبلية ويقلد الغرب بشكل أعمى وسطحى، ومن يلوم الحكومة لأنها تدفع الشباب بسلوكها وسياساتها الإستبعادية والأبوية نحو تضيق وسائل التعبير عن ذاته وطموحه، ولا تقدم القدوة فى سيادة القانون واحترام المؤسسات وتكافؤ الفرص وتصر على توظيف "ديكورى" للشباب لكى تطيل فى بقائها على السلطة.
والسؤال المطروح: هل نطالب الشباب بأن يشارك بكثافة أعلى فى الأطر القائمة أم نراجع، نوعية هذه الأطر لتشجيع الشباب على المشاركة.إذن فالمشكلة لا تكمن فى أحد دون الآخر، بل بين الطرفين المنقسمين، فعلى الشباب أن يبادر ويشارك وعلى الحكومة أن توفر المناخ المناسب وتوفير القنوات الشرعية لمشاركة وتمكين الشباب..
بالطبع هناك درجات بين التأييد الكامل والرفض التام للأطر الرسمية لمشاركة الشباب، إلا أن التهديد الحال يتمثل فى تزحزح هذه الدرجات يمينا ويسارا، وانتشار ثقافة الإنقسام. والسؤال هنا: هل يمكن تجسير هذه الفجوة؟، وكيف؟ ولا يجب أن يكون الموقف هو إنكار هذا الإنقسام.
أى أن مشاركة الشباب فى صياغة وتطوير آليات المشاركة مدخل ضرورى لتكريس ثقافة التنوع فى المصالح واللجوء الى الوسائل المدنية المشروعة، ومن ذلك: إشراك الشباب فى الإستراتيجات التنموية ..، وعقد حوارات برلمانية مباشرة مع الشباب عند صياغة تشريعات تتعلق بهم، وعدم الإكتفاء برأى الوزير المختص أو قيادات الحكومة المعنية..
السيد ولد الهاشم