كابوس عصى على التصديق../ فهمي هويدي

اثنين, 2014-11-17 10:23

هل صحيح أن جهود إجهاض الانتفاضة الثالثة فى الأرض المحتلة تتم بالتنسيق مع بعض الأنظمة العربية، بدعوى أن تفجير موضوع القدس من شأنه زعزعة الاستقرار فى المنطقة؟ ــ السؤال يثيره سيل المعلومات المثيرة التى تتداولها وسائل الإعلام الإسرائيلية فى هذا الصدد. وهى معلومات لا نستطيع أن نسلم بصحتها. لكننا فى الوقت ذاته لا نستطيع أن نتجاهلها، وكل ما نستطيع أن نفعله أن نتساءل عن نصيبها من الصحة، خصوصا انها تقابل بصمت محيِّر من جانب العواصم العربية المعنية.

 

لقد صار معلوما ومتواترا ان إسرائيل خصوصا بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر فى عام 1979 نجحت فى تحقيق اختراقات عدة فى العالم العربى، رغم ان البعض يؤكد أن الاختراقات حاصلة مع بعض تلك الدول فى وقت سابق على ذلك التاريخ، لكنها ظلت بعيدة عن الأعين وطى الكتمان طول الوقت لأسباب مفهومة. مع ذلك فبوسعنا أن نقول بأن ما سمى بالتنسيق الأمنى بين السلطة الفلسطينية فى رام الله وبين المؤسسة الأمنية فى إسرائيل كان بمثابة أول إعلان صريح عن التعاون الأمنى بين إسرائيل وبين طرف عربى، قصد به إجهاض عمليات المقاومة وملاحقة المقاومين. ورغم فجاجة الفكرة وغرابتها إلا أن الاتفاق أضفى شرعية على قيام السلطة الفلسطينية بقمع المقاومة الفلسطينية لصالح أمن إسرائيل والإسهام فى استقرارها، لكن «التعاون» المفترض مع بعض الأنظمة العربية جرت الإشارة إليه أكثر من مرة فى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة. وكانت الإشارة الأقوى والأوضح أثناء العدوان الأخير الذى وقع فى الصيف الماضى (شهر يوليو عام 2014)، إذ تواترت الإشارة فى تصريحات المسئولين فى وسائل الإعلام إلى أن إسرائيل تخوض الحرب ضمن تحالف عربى مناهض للإرهاب. وذكرت فى هذا الصدد ثلاث دول هى مصر والسعودية ودولة الإمارات العربية، وفى الآونة الأخيرة نقلت الإذاعة العبرية صبيحة يوم 2/11 عن مصدر سياسى إسرائيلى بارز قوله ان الجهود الدبلوماسية التى بذلتها المملكة السعودية لعبت دورا رئيسيا فى تقليص عمليات تهريب السلاح للمقاومة فى قطاع غزة. فى هذا الصدد ذكر المصدر الإسرائيلى ما يلى: ان السعوديين استغلوا حاجة الرئيس السودانى عمر البشير للشرعية الإقليمية والدولية فى أعقاب صدور قرار محكمة الجنايات الدولية باتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وطالبته بوقف التعاون مع الإيرانيين فى تهريب السلاح للمقاومة فى غزة وانهاء دور السودان كمحطة لنقل السلاح الإيرانى إلى غزة عبر الصحارى المصرية وسيناء. واعتبرت السعودية ان تعهده بذلك يعد شرطا لتطبيع العلاقات بين الرياض والخرطوم، وهذا ما حدث. وللعلم فإن الصحفى الإسرائيلى رون بن يشاى كبير المعلقين العسكريين لصحيفة يديعوت أحرونوت، كان أول من كشف النقاب عن دور السعودية فى مواجهة عمليات تهريب السلاح عبر السودان للمقاومة فى غزة.

 

فى التقرير الإخبارى الذى يصدره مركز دراسات وتحليل معلومات الصحافة العبرية (نشرة 13/11) تصريحات منسوبة إلى عاموس جلعاد رئيس الدائرة السياسية والأمنية فى وزارة الدفاع الإسرائيلية قال فيها ان دولا عربية تدخلت لوقف التحريض على التظاهر فى القدس والمسجد الأقصى. وتم ذلك استجابة لتحرك سياسى ودبلوماسى قامت به إسرائيل من خلال قنوات اتصالها الخاصة مع تلك الدول التى رفض تسميتها (حتى لا يتسبب فى إحراجها) وشدد على ان جهود تلك الدول العربية «تتكامل» مع العمليات التى أقدمت عليها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لاسيما عمليات الاعتقال والابعاد عن المسجد الأقصى وهدم المنازل وغيرها، أضاف عاموس جلعاد قوله ان دول الإقليم العربية لا تريد اشعال الأوضاع فى المنطقة. وذلك يفسر حماسها لوقف المظاهرات فى القدس. كما ان رئيس السلطة الفلسطينية يقاوم بشدة فكرة انتقال شرارة أحداث القدس إلى الضفة الغربية.

 

ذكر التقرير أيضا ان الأوساط السياسية والأمنية فى تل أبيب تعول على دور لأبوظبى التى ترفع راية محاربة الإسلام السياسى فى وأد أى تحرك عربى لنصرة الأقصى، ووقف أى تحرك من جانب المنظمات الدولية لإدانة إسرائيل. لأن ذلك يهدد جهودها المستمرة فى مواجهة الإسلاميين. وكشفت تلك الأوساط النقاب عن ان الإمارات اشترت 35 شقة فى القدس من أصحابها الفلسطينيين وباعتها للوكالة اليهودية. فى حين أعرب وزير خارجيتها الشيخ عبدالله بن زايد عن خشيته من ان يؤدى تدهور الوضع فى القدس إلى انطلاق انتفاضة ثالثة. وهو ما من شأنه زعزعة الاستقرار فى المنطقة، الحافلة بمصادر التوتر وتجلياته.

 

ما سبق قليل من كثير يشير بوضوح إلى ان التعاون والتنسيق بين إسرائيل وبين بعض الأنظمة العربية يزداد وثوقا واتساعا بمضى الوقت. وأكرر هنا اننا لا نستطيع أن نسلم بكل ما سبق ذكره ــ وبعضه فوق العقل كما يقول اللبنانيون ــ لكننا لا نستطيع أن نغض الطرف عنه ونتجاهله، علما بأن صمت منابرنا الإعلامية ومؤسساتنا السياسية إزاء الترويج لذلك الكلام يفتح الباب واسعا لتصديقه، وذلك كابوس آخر لا نريد أن نصدق احتمالات وقوعه فى زمن العجائب السياسية الذى نعيشه فى الوقت الراهن.