توفي مساء السبت الماضي الكاتب والمفكر السوري محمد شحرور في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، ونقل جثمانه إلى العاصمة دمشق.
وبينما نعى كتاب ومثقفون شحرور -الذي توفي عن عمر ناهز ثمانين عاما وأشادوا بما اعتبروه مشروعه التنويري- انتقد الكثيرون من النشطاء مراجعاته الفكرية ووصفوها بالجهل والتناقض، حسب ما نشره “الجزيرة نت”.
ولد شحرور عام 1938 ودرس الهندسة ليصبح أستاذا لها بجامعة دمشق، لكنه اشتهر بالتأليف ومشروعه الذي أطلق عليه القراءة المعاصرة للقرآن بعد عودته من الدراسة في موسكو.
وأصدر سنة 1990 كتاب “الكتاب والقرآن.. قراءة معاصرة” ليفتتح سنوات من الجدل حول أفكاره التي أثارت لغطا شديدا وكسب خلالها مؤيدين ومعارضين كثيرين لأفكاره.
وقال الأكاديمي بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية عبد الرحمن الحاج إن شحرور ليس أول من حاول استخدام الأدوات التي توفرها اللسانيات في الدراسات القرآنية.
واستدرك الباحث المختص بعلاقات الدين والسياسية والمجتمع قائلا “للأسف لا يتمتع شحرور لا بالمعرفة اللسانية اللازمة للقيام بتأويل جديد أو قراءة معاصرة للقرآن ولا هو يملك المعرفة التراثية التي تسمح بأن يكون نقده للتراث محل احترام وتقدير الباحثين المتخصصين”.
وتابع الحاج -في تصريحات للجزيرة نت- معتبرا أن الذي دفع شحرور في الواقع كان قناعته بأن الدين عقبة أمام التقدم وأنه من الضرورة تغيير قناعات المؤمنين كي يمكن التقدم.
وأردف “لقد كان الرجل يناضل من أجل التقدم ويستخدم كل الوسائل الممكنة له لتحقيق إعادة تأويل الدين بحيث يصبح التقدم ممكنا، لا يهم كم يتعارض هذا الإسلام الجديد مع قواعد اللغة ولا ما يعرف من نظام القيم الإسلامية ولا مع روح الشريعة، المهم أن يكون تأويلا له وجه ما من المنطق اللغوي”.
لهذا السبب ليس صدفة أن كل منظومة الحداثة القيمية وحتى القانونية تتطابق مع نتائج تأويله، فقط كان كل عمل الرجل نضالا في الدين لتفكيك مقولات الدين ذاتها، بحسب الحاج الذي ختم حديثه قائلا “الدول التي تحاول تقديم هذا النوع من الإسلام الجديد حاولت الاستثمار في مشروع شحرور وسوقت له في الغرب على هذا الأساس”.
قراءات متباينة
تباينت ردود الفعل على وفاة شحرور، ودعا المخرج وصانع الأفلام طارق بدار لعدم استسهال ادعاء الحق المطلق، وترحم على المفكر الراحل معتبرا أنه قدم قراءة جديدة للنص القرآني خارج أفهام المدرسة التقليدية، فشتم وهوجم وبدع وفسق، وألصقت به أفهام وأوصاف ولوازم لم يقلها أو يتفوه بها، واكتفى بعد كل ذلك بالصمت.
وتابع بدار في منشوره على فيسبوك أن شحرور انطلق من نفي ما أسماه “الحشوية” مؤكدا أنه ليس في القرآن حشو.
وأضاف أنه بعد ذلك خرج بمعان قوامها عدم الاستناد إلى فكرة الترادف، بل تفرد وشخصية لكل كلمة في موضعها اعتمادا على تفسير القرآن بالقرآن.
وانتقدت آراء عدة على موقع التواصل فيسبوك خلفيته العلمية التي لا تؤهله لدراسة اللسانيات والقرآن، وعلى صفحته بفيسبوك اعتبر الكاتب سعيد أبو زينة أن “المهندس” شحرور ليس لديه معرفة كافية بالعربية التي يدعي إحاطته بسرها وجوهر القرآن، مضيفا أنه لا يحسن أن يقيم إعراب الكلمات ولا يفرق بين مرفوع ومجرور ومنصوب.
ودعا شحرور لما أسماه “عقلنة النص الإسلامي” ورأى أن الفقه الإسلامي ركز على النقل وغابت عنه القراءات النقدية.
ونقل معتز الخطيب أستاذ المنهجية والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة تفاصيل حوار أجراه مع المفكر المعروف رضوان السيد سنة 2001 وانتقد فيه شحرور وقراءته للقرآن والسنة.
من جانبه روى الصحفي والباحث عبد الله الطحاوي على صفحته بفيسبوك تفاصيل جلسة جمعته بالمفكر الراحل في مقتبل حياته المهنية، وعندما سأله عن المنهج الذي سيتبعه للعمل البحثي أجابه شحرور “المنهج هو أنا”. وختم منشوره قائلا “والآن طويت كل الصحائف ورفعت إلى الله الديان الحق”.
وانتقد الداعية والكاتب بندر المحياني قراءات شحرور، واقتبس مقاطع من فيديوهاته ورد عليها في مقطع مصور نشره على تويتر.
ودعا الأكاديمي المصري المختص بعلوم العربية خالد فهمي للوقوف أمام مشروع شحرور الفكري بالتحليل والمناقشة والنقد، وبيان خلله المنهجي والمعرفي من دون التورط في التعرض لشخصه.
وأضاف فهمي في منشوره على فيسبوك أن المنهج القرآني يوجه إلى نقد الأفكار، أما الشخوص فأمر الحكم عليهم إلى خالقهم سبحانه لأنه وحده الذي يعلم السر وأخفى.