الحضور التركي في شمال إفريقيا بين التوجس واللا مبالاة

اثنين, 2020-02-03 07:49

برزت تركيا في المشهد المغاربي بقوة في الفترة الأخيرة، حيث تصدرت عناوين الأخبار في هذه المنطقة من غرب الوطن العربي وشمال القارة الإفريقية، من خلال الاحتجاج القوي للرباط على مخلفات اتفاق التبادل الحر الموقع بين البلدين، والتدخل السياسي والعسكري المباشرلتركيا في الملف الليبي، ثم الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التركي الأسبوع الماضي إلى الجزائر.

وفي الوقت الذي تزعم فيه أنقرة أنها “قوة خيّرة” تدفعها سياسة خارجية “مبادرة وإنسانية“، تتوجس بعض النخب المغاربية المتنفذة من النفوذ التركي، على اعتبار أنه مدفوع بـ“عثمانية جديدة” تستثمر التاريخ والثقافة والدين للتمكين لمخططاتها في المنطقة.

فهل لتركيا مخطط نفوذ وسيطرة فعلا في المنطقة المغاربية، أم أن القوى المتنفذة محليا تُضخم من الدور التركي لحماية نفوذ آخرين، خصوصا القوى الغربية؟

يرتبط الجواب بالتمعن في أولويات السياسة الخارجية التركية، في ارتباط بقدراتها الاقتصادية والعسكرية، لأن البعض يقدم تركيا إلى الرأي العام العربي على أنها قوة عظمى قادرة على خلخلة قواعد اللعبة في المنطقة، وهو ادعاء لا تزكيه موازين القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسة في المنطقة.

فبعض الباحثين الغربيين لا يرون أن المنطقة المغاربية تشكل أولوية متقدمة ضمن الأولويات الرئيسة للسياسة الخارجية التركية، وهو استنتاج يقول به الباحث في معهد “بروكينغز“، زاك فرتين، على اعتبار أن الأولويات الخمس الأولى في السياسة الخارجية التركية ليست من بينها منطقة شمال افريقيا، ويتعلق الأمر بسوريا، منطقة شرق البحر المتوسط، وكيفية إدارة العلاقات المعقدة مع القوى الكبرى وأساسا الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا (بمافي ذلك الدخول إلى الاتحاد الأوروبي)، ثم أولوية تسويق أسلوبها الخاص في التوليف بين القيم الإسلامية والممارسات الليبرالية والحداثية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتعضد مؤشرات التعاون الاقتصادي بين تركيا والدول المغاربية هذا الطرح، آخر المعطيات التي جرى الكشف عنها، مؤخرا، تشير إلى أن الصادرات التركية نحو دول شمال إفريقيا خلال الـ11 شهرا الأولى من 2019، بلغت 9.3 مليار دولار، ما يعادل 5.9 في المائة فقط، من إجمالي الصادرات.

أما أمنيا، فتبدو المنطقة المغاربية بعيدة عن أن تشكل تهديدا لتركيا، على خلاف سوريا والعراق وشرق المتوسط.

واقتصاديا، تبدو المنطقة المغاربية مجرد سوق جديدة من الأسواق التي تبحث عنها تركيا لتصدر منتجاتها المحلية،لكن تبدو المناكفة السياسية حاضرة بين تركيا وخصومها في المحور الإماراتي المصري.

فيما تعتبر الأصوات المحذرة من النفوذ التركي، أنه مدفوع بخلفية عثمانية قديمة، على حقيقة السلوك السياسي والاقتصادي التركي تجاه الدول المغاربية.

محمد الشرقاوي، باحث في مركز الجزيرة للدراسات، يرى أن الاستراتيجية التركية في المغرب الكبير تقوم على “طموح شرس بتكريس القوة الصلبة في ليبيا، والتعاون السياسي مع تونس والجزائر، وعلى التعاون الاقتصادي مع المغرب“، وهي “ثلاثية مؤثرة في نشوة تركيا بنفسها باعتبارها قوة إقليمية تريد التوسع، وقد ضمنت مباركة كل من روسيا وأمريكا“. 

يزكي السلوك التركي هذه القراءة، فحين عبّر المغرب عن انزعاجه من الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الوطني بسبب اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، والتي تقدر بـ2 مليار دولار، استجابت بسرعة، تماما كما فعلت مع الأردن منذ مارس2018.

ما يؤكد أن الانزعاج المغربي مدفوع بالخسائر الاقتصادية، وليس بدوافع سياسية، كما ادعى البعض.

وبعيدا عن القراءات السياسية المؤدلجة، تبدو تركيا قوة إقليمية صاعدة، تبحث لها عن أسواق مثلما تبحث لها عن حلفاء، وفق منطق اقتصادي وسياسي، قد يبدو طموحا أكثر من قدراتها، لكن يبقى منطقا قابلا للقراءة والفهم، بعيدا عن منطق الخير والشر.