يعاني النظام التربوي في موريتانيا من عدة مشكلات مزمنة أثرت، بشكل بالغ، على مستوى أداء وفاعلية المنظومة التربوية الوطنية بشكل عام، وأدى لتدهور ملحوظ في مستويات خريجي هذه المنظومة على وجه الخصوص.
ويرى عديد الخبراء التربويين في البلد أن تراكمات برامج الإصلاح غير الواقعية وغير المنسجمة مع خصوصيات التنوع الثقافي واحتياجات سوق العمل في البلد، وكذا بروز نوع من التداخل بين السياسة والنظام التعليمي من أهم عوامل حالة التخبط التي تطبع قطاع التعليم بمختلف مستوياته.
والوقوف على واقع المنظومة التربوية الوطنية وأهمية معوقات برامجها الإصلاحية؛ حاورت "موريتانيا اليوم" المفتش التربوي إبراهيم السالم ولد نور الدين؛ وهو مفتش تعليم أساسي عمل في عدة مقاطعات داخل البلاد وتولى إدارة مدرسة تكوين المعلمين بأكجوجت؛ وقد تفضل مشكورا، بالرد على استفسارات مندوب وكالة "موريتانيا اليوم".
في البداية اعتبر ولد نور الدين إن إصلاح 1999 التربوي المعمول به حتى اليوم "كان جيدا، حيث استهدف توحيد التلاميذ في نفس الفصول الدراسية وحول منهج تربوي موحد وقاعدة تعليم موحدة، وطريقة موحدة للتدريس"؛ مبرزا أن الإصلاح المذكور أقر تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية مقابل تدريس المواد الأدبية باللغة العربية؛ مع تعزيز تدريس اللغتين معا وإدراج مادة التربية المدنية والتقنيات الجديدة في المناهج التعليمية.
بيد ان الإجراءات المصاحبة الضرورية لنجاح هذا الإصلاح؛ يضيف المفتش إبراهيم ولد نور الدين، "لم تكن مكتملة بالمستوى المطلوب، إذ تم ارتجال تطبيق مخرجات الإصلاح التربوي المذكور دون توفير الوسائل الضرورية لضمان تجسيده؛ بما في ذلك طواقم التدريس المؤهلة والأدوات والمعدات التربوية المناسبة".
وأوضح ولد نور الدين أن "ضعف مستويات التلاميذ في اللغة أثر على أدائهم واستيعابهم للمواد التي تدرس لهم، بينما ساهم تدني أجور المدرسين في منعهم من التفرغ كليا لأداء رسالتهم التربوية على الوجه الأكمل"؛ مضيفا أن "وضعية التعليم اليوم غير مرضية وتتطلب الإسراع بمعالجتها".
وأكد الخبير التربوي، في ذات السياق، أن "التدريس باللغة العربية ينسجم تماما مع مقتضيات الدستور الموريتاني، لكن التعريب الناجح يتطلب برنامجا وطنيا يحظى بتوافق شامل من جميع مكونات الشعب دون إقصاء ولا تهميش".
وحول تأثير ظرفية تفشي وباء "كورونا" الراهنة، بين ولد نور الدين أن أزمة "كوفيد - 19" أظهرت ضرورة إدخال نظام التعليم عن بعد ضمن حيز المتاح عند الضرورة؛ مبرزا أن "من الملح أن تعتمد الدولة برنامجا عمليا ناجعا في هذا المجال".
وأكد أن "مقاربة الكفايات التي حاولت الدولة تطبيقها باءت بالفشل لأن المدرسين لم يلتزموا بها؛ وبالتالي فإن إلغاءها كان أمرا ضروريا"؛ مضيفا أن "الكادر التربوي الوطني ذو كفاءة وما ينقصه هو التشجيع وجعله في ظروف عمل مواتية من حيث مستوى الدخل ومن حيث مستوى التكوين".