«القدس العربي»: لعنة الرق تلاحق موريتانيا من جديد

جمعة, 2014-11-28 09:25

عادت ورطة أو «لعنة الرق» كما يسميها البعض لتلاحق موريتانيا من جديد فيما يستعد هذا البلد ذو القوميات المتعددة للاحتفاء بذكرى استقلاله الرابعة والخمسين التي تصادف اليوم الجمعة.

وبلغ هذا الجدل أمس حول هذه القضية ذروته على صفحات التواصل وعبر القنوات الإذاعية والتلفزية، بين من ينفي وجود الرق ويؤكد أن الموجود إنما هو آثاره ومخلفاته، ومن يجزم بأن ممارسة العبودية قائمة في موريتانيا بأشكال عدة بينها الرق العقاري التي تظاهر قبل أيام عدد من مكافحيه واعتقلوا وحقق معهم وأحيلوا للقضاء.

ورغم تبنّي الحكومة الموريتانية للعديد من الإجراءات القانونيّة التّي تلغي الرقّ وتجرّمه، إلاّ أنّ ذلك لم ينقذ موريتانيا من هذه الورطة، حيث صنفت في المرتبة الأولى على رأس 162 دولة في العالم تنتشر فيها العبودية، حسب ما جاء في تقرير عن «مؤشر العبودية العالمية» صدر عن منظمة «ووك فري» سنة 2013.

ويشتد النقاش هذه الأيام بين سياسيي ومفكري مجموعة العرب «البيظان» النافية لوجود عبودية قائمة والمقرة بوجود آثار للظاهرة وبين عدد من سياسيي وحقوقيي مجموعة «الحراطين» وهم أحفاد الأرقاء السابقين الذين يتهمون مجموعة العرب بممارسة الرق والتكتم عليه كما يتهمون الحكومة الموريتانية بالتغاضي عن الرق وعدم تفعيل القوانين والمشاريع التي وضعت له.

ودعا السياسي الموريتاني البارز ووزير الخارجية الأسبق محمد فال ولد بلال الذي يتولى أمانة منتدى المعارضة، في تدوينة شارك بها أمس في هذا الجدل، لخمسة اعترافات حول موضوع العبودية.

وأكد ولد بلال أن «الاعتراف الأول هو الاعتراف صراحة بأنّ الحراطين فئة عربية مسلمة أصيلة وذات ثقل كبير، عاشت معظم حياتها مهمشة ومعزولة عن المجرى الرئيسي للثقافة العامة والتنمية، ما جعلها تشعر بالحرمان وتحس بالغبن الاجتماعي».

«وثاني الاعترافات، حسب الوزير بلال، هو الاعتراف بالمظالم التنموية والخدمية التي تعرّضت لها هذه الشريحة عبر التاريخ، ومواصلة الجهود بحزم وعزم عبر مبادرات مبتكرة وسياسات تَـفضيلية لتوفير الخدمات الأساسية لسكان أحياء الصفيح، وانتشالهم من الفقر والهشاشة والإقصاء».

واعترف الوزير ولد بلال في سلسلة الاعترافات التي ضمنها تدوينته «بوجود استعلاء ثقافي وعرقي لدى البيظان (عرب موريتانيا)، شكّل عنوانا سيئا في مفردات الخطاب والسلوك الاجتماعي طيلة قرون».

وكان الاعتراف الأكبر، حسب ما دعا له الوزير، هو الاعتراف بأنّ الحراطين اليوم باتوا قوة وطنية كبرى وطرفا حاضرا في أعلى مستويات الدولة… قوة تحظى برئاسة مؤسسات دستورية مهمة (..)، كما أنّ الظفر بمنصب رئيس الجمهورية في متناول يدها متى استطاع الشعب الموريتاني التعبير عن إرادته الحرّة… وعلى هذا الأساس يجب على قادة الرأي والوجهاء والنشطاء من كلّ الشرائح والفئات، الارتفاع إلى مستوى المسؤولية عن الوطن ككل والعمل على بناء الثقة والمصالحة والوحدة».

ودعا الوزير بلال في آخر اعترافاته «لميثاق إعلامي يحرّم ويجرّم العبارات والمفردات والإيماءات والإيحاءات العنصرية ومفردات الكراهية وتحقير الآخر، وتنقية المناهج التعليمية من ذلك كله». وفي مقال بعنوان «الحل في التحرير» دخل محمد جميل منصور زعيم حزب التجمع الإخواني في عجاج الجدل المثار حول الرق، ليصدر فتوى فقهية وسياسية «لتحرير المسألة من منطق التجاهل وأسلوب التضخيم ومنهج التبرير» حسب تعبيره.

وقال «إن الجدل حول قضية الرق يتطلب تحرير الرؤية الإسلامية مما شابها ويصر على الاحتماء بها من تصور استعبادي لا سند له من وحي ولا معتمد له في مقاصد الشرع، وتحرير الخطاب الاحتجاجي والحقوقي من التحريض والكراهية والإثارة التي تكسب المناعة ضده وتدفع نحو التوتر والصراع أكثر مما تشرح مظلمة أو تناضل من أجل حقوق، وتحرير الموقف المجتمعي والتقليدي من دفاع عن ماض لا ينهض الدفاع عنه وتبرير واقع أنتجه الظلم وساد فيه التهميش، وتحرير سلوك الدولة ومؤسساتها من سياسات اللف والتحايل والتجاهل».

وبعد استقصاء للأحكام الفقهية الخاصة بالرق وتبرئة الإسلام من تشريعه، أكد ولد منصور «أن أجهزة الدولة وخصوصا القضاء والإدارة والأمن مطالبة أن تكون على مستوى التطور المطلوب، فحين أقر قانون تجريم الممارسات الاسترقاقية وقبله الموريتانيون وتحمسوا له كان من المطلوب أن تُفعّل مؤسسات الدولة في تطبيقه والصرامة مع المخالفين له والخارجين عليه».

وختم محمد جميل منصور رؤيته للقضية قائلا «.. حين يحس الساعون للحرية الرافضون للإسترقاق والصادقون والمنصفون من قوى الاحتجاج بجدية مؤسسات الدولة وبنفاذ القانون ومتعلقاته سينخفض منسوب التوتر وسيتضح أن تجاوز الاسترقاق ومخلفاته والعمل في اتجاه مجتمع المساواة والمواطنة الحقة أصبح خيارا وطنيا إجماعيا لا سبيل للتقاعس في شأنه أو احتكار البعض لأمره».

يعاد إلى الأذهان أن الحكومة الموريتانية صادقت في آذار/مارس الماضي على خارطة طريق لمحاربة الاسترقاق والقضاء على مخلفاته في أفق عام 2016، وذلك بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

واشتملت هذه الخارطة على 29 توصية تغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، والحقوقية، كما تشمل الجوانب التعليمية والمعرفية.

وفي المجال الاقتصادي والاجتماعي أوصت الخارطة على تركيز الإستثمار في المناطق التي يعاني سكانها من الفقر وتدني مستوى الدخل بسبب تأثرهم تاريخيا بالاسترقاق، وذلك من خلال توفير البنى التحتية والخدمية، وتمويل المشاريع المدرة للدخل وخلق نشاطات اقتصادية في محيط الفقراء من أبناء هذه الشريحة.

وفي المجال القانوني والحقوقي أوصت الخارطة بمراجعة النصوص القانونية المتعلقة بتجريم الاستعباد وتضمينها تغريم من تثبت ممارسته للاستعباد وإلزامه بالتعويض للضحية، فضلا عن تكوين القضاة في مجال التعاطي مع قضايا الرق، وتقديم المؤازرة القانونية للمستعبدين من خلال توكيل محامين للدفاع عنهم.

وفي مجال التعليم نصت الخارطة على توفير التعليم وإلزاميته في المناطق التي يوجد بها الأرقاء السابقون والتي تعرف محليا باسم «آدوابه» وتوفير الحضانات المدرسية فيها لتتولى إعاشة الأطفال وتحمل نفقات تعليمهم، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية لآباء الأطفال مقابل السماح لأبنائهم بالالتحاق بمقاعد الدراسة. وأضاف ولد القاسم أنه «حين يمتلك هؤلاء الإمكانيات الاقتصادية والقدرات المعرفية يكون بإمكانهم الاستفادة من الضمانات القانونية التي يوفرها التشريع لحمياتهم، ومن هنا كان حرص الخريطة على إعطاء الأولوية للبعدين الاقتصادي والتعليمي».

وانتقدت حركة «إيرا» الناشطة في مجال مكافحة الاسترقاق هذه الخارطة واعتبرت أنها «تحتوي على العديد من نقاط الضعف التي تشكك في مدى جديتها وإمكانية قضائها على ظاهرة الاسترقاق ومخلفاتها».

 

عبدالله مولود