مع بداية شهر رمضان المبارك، الذي يأتي هذه السنة في ظرفية عالمية استثنائية بكل المقاييس نظرا لتفشي جائحة "كورونا"، أجرت وكالة "موريتانيا اليوم" مقابلة خاصة وشاملة مع فضيلة العلامة محمد محمود ولد بلال، تطرق فيها لمجمل الجوانب المتصلة لفريضة الصيام وما يرتبط بها من عبادات.
وتحدث فضيلة الدكتور عن عبادة الساعة؛ عبادة الوقت، وعن فضائل هذا الشهر الفضيل؛ "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان".
استهل ضيفنا؛ وهو أستاذ في جامعة العلوم الإسلامية بمدينة لعيون؛ عاصمة ولاية الحوض الغربي، حديثه بالقول:
"لقد أظلنا شهر عظيم وموسم كريم.. شهر المنح الربانية، شهر رمضان المبارك؛ هذا الشهر المفعم بالرحمة والغفران والعتق من النار.. في هذا الشهر المبارك، يحيي المسلم الإيمان في قلبه، وإن غابت هذه الرؤية لا تظهر ثمرة العبادة.
وفي الذكر ينبغي أن يكون التفكير والتدبر منصبا على معاني القرآن الكريم؛ وفي الصوم يجب الابتعاد عن كل ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى؛ ذلك أن شهر رمضان يمثل فرصة ذهبية لإحياء القلب وإعماره بالإيمان.. فالشياطين مصفدة والخير مقبل والشر مدبر ".
وأضاف فصيلة العلامة أن "رمضان من أكبر المواسم التي ينبغي للمسلم أن ينتهز فرصتها؛ ويعلم أن لله نفحات في أرضه، ويستفيد منها شوقا إلى رحمته سبحانه وتعالى".
وتابع فضيلة العلامة محمد محمود ولد بلال، في هذا الحوار الشامل الذي خص به "موريتانيا اليوم"؛ قائلا:
"لكي نستفيد من هذا الموسم العظيم، لا بد أن نستحضر حقيقة المهمة التي كلفنا الله سبحانه وتعالى بها، والهدف الأكبر الذي من أجله خلق الله الإنسان؛ إذ يقول تعالى في محكم كتابه: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون}، ويقول جل من قائل: "{أيحسب الأنسان أن يترك سدا}؛ ويقول أيضا:: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.
لهذه العبودية حقيقة ينبغي للمرء أن يعيش من أجلها وأن تظهر آثارها في سلوكه وتعاملاته، بمعنى أن يستسلم لله تعالى وينصاع بطاعة أمره ودوام خشيته، والشعور بالاحتياجات المطلق لله والافتقار التام إليه.. فالهدف من هذا كله هو تقوى الله جل جلاله.. قال تعالى: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، وقال أيضا: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها}.. والمكلف خاطبه الله تعالى ليعبده اختيارا..
إذن على المرء أن يستسلم لله تعالى وتحصل عنده العاطفة والشعور المطلق بالاحتياج لله تعالى والتوكل عليه، مع حبه وإيثاره، محابيه ومراضيه على كل شيء.. هذه هي الحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن الإنسان المسلم".
وتطرق ولد بلال، في معرض حديثه عن هذا الشهر الفضيل، فبين أن كثيرا من الناس يهتمون بظاهر العبادة ويعملون جوهرها؛ مبرزا أن "مرد ذلك هو الرغبة في تحصيل الثواب المترتب على هذه العبادة.. أي حقيقة العبادة؛ فقراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة من شأنها أن تنعش القلب وتشفيه من جميع أسقامه، لكنها قد تتحول على ألسنة الكثير من المسلمين إلى ألفاظ تقرأ دون فهم ولا تدبر، وتكون الغاية مجرد تلاوة وقطع المسافة بين بداية المصحف وخاتمته، أي آخر سورة، كما ورد في الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه، أملا في تحقيق الثواب بختمة أو ختمتين في وقت واحد؛ وذلك بناء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف ولكن أقول الألف حرف واللام حرف والميم حرف].. وهذا يغفل أهله عن المقصد الكبير من قراءة القرآن الكريم، وهذا ليس توفيرا من قراءته بل العكس لان الخطير ن هو القراءة خلاف ما يجب أن تكون.. وفي نص التنزيل: {كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته} وهو مقصد عظيم.. ويقول جل من قائل أيضا: {أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب أغفالها}...
وورد في بعض الأحاديث النبوية قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله ابن عمرو ابن العاص عندما أراد أن يختم القرآن: [لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث].
إذن، من فعل خلاف هذا سينقصه فهم ما قرأ، وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم في ذلك كثيرة جدا.
يقول عبد الله بن مسعود: «لا تهذوا القرآن هذي الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل.. قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن هم أحدكم من السورة آخرها»، فالمهم هو القراءة مع الاستفادة وكذلك الأمر في سائر العبادات الأخرى..
فإذا كانت حياة القلب بالإيمان هي الهدف الذي به تتحقق العبودية لله تعالى، كيف يصل المسلم لهذا الهدف؟.
لقد ارشدنا الله جل وعلا لوسائل بلوغ ذلك؛ حيث قال جل من قائل: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقلكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
الهدف الكبير هو تقوى الله سبحانه وتعالى والخوف منه والاستسلام بين يديه، والعبادات هي في الواقع سبيل لتحقيق تلك العبودية، وهي أدوية ناجعة ومطربة.
فالصلاة مثلا تشعر المسلم بالخضوع والانكسار إلى ربه، وهي وسيلة عظيمة للاتصال بالله تعالى ومناجاته والشوق إليه {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} صدق الله العظيم.
يزداد الإيمان من خلال تلك الصلاة وتظهر آثاره بدوافع المرء وسلوكه وتزداد مسارعته لفعل الخير ويقوى وازعه الداخلي".
وبين فضيلة العلامة، أن "الصدقة عبادة عظيمة تعالج القلب من داء حب الدنيا والتعلق بها، لأنها تطهره وتزيده قوة؛ يقول جل من قائل: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها}" .
وأضاف: "الصيام يساعد المرء في السيطرة على نفسه وإلزامها تقوى الله: {يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} صدق الله العظيم.
والذكر يهدف إلى تذكر الله سبحانه وتعالى.. تذكر عظمته جل جلاله وإكرامه، والمرء يزداد به اطمئنانا وثقة وإيمانا، وكذلك بقية العبادات سواء منها ما بالقلب وما بالبدن، كلها تشكل منظومة تهيء الأجواء لتحقيق هذا الهدف المتمثل في أن يكون المرء عبدا لله اختيارا فيحصل لديه تقوى الله حقيقة (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
قال تعالى: {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون}.. تحصل عند الإنسان النجاة عند الله والفوز بطاعته.
هذا هو ما ينبغي أن يحرص المسلم على معرفته، أي أن العبادات مهمتها الحقيقية هذه.. ويعرف أن النتيجة المرجوة من العباداتة البدنية لا تتحقق إذا كان القلب فارغا.
قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر}، وورد في الأثر: [من لم ينهه صيامه عن الفحشاء والمنكر فليس لله حاجة ان يدع طعامه وشرابه]".