تأثرت الأجيال الجديدة في موريتانيا بلغة المستعمر السابق للبلاد، فانتشرت بشكل كبير مفردات اللغة الفرنسية وأصبحت سمة تميز أحاديث الموريتانيين من مختلف الطبقات والأعمار، وزاد الانفتاح التكنولوجي وعوامل الاتصال من تأثر الموريتانيين باللغة الفرنسية، فأصبح إتقانها مرادفا للحداثة وكافيا للحصول على فرصة عمل.
ورغم تشبث الموريتانيين بالثقافة العربية الأصيلة والتقاليد البدوية واعتزازهم بلغة الضاد، فإن ذلك لم يمنع طغيان اللغة الفرنسية على الثقافة العامة، فأصبح الجميع يتحدث بخليط بين اللهجة المحلية واللغة الفرنسية. وزاد من حدة هذه الظاهرة تفضيل الموريتانيين المصطلحات الأجنبية على العربية، حيث إنهم حافظوا على الأسماء الأجنبية لأغلب الآلات الحديثة والتقنيات القادمة من الغرب، فيما أطلقوا على الأجهزة المخترعة الحديثة أسماء هجينة بين الفرنسية والعربية.
المهاجرون والأقليات
تختلف مبررات الموريتانيين في استعمال اللغة الفرنسية، فمنهم من يعتبرها ضرورية للتواصل في ظل وجود مهاجرين واثنيات عرقية مختلفة في موريتانيا لا تجيد العربية، ومنهم من يعتبرها أسلوب حياة الشباب الحداثي الذي يبحث عن لغة تعبر بسهولة عن عصره.
ويقول الطالب الجامعي إبراهيم ولد أحمد بابا (21 سنة)، إن أغلب الشباب في موريتانيا يفخرون بلغة الضاد لكنهم يفضلون استعمال المصطلحات الأجنبية في حياتهم اليومية، لأنها بالنسبة إليهم سهلة وسلسلة وأقرب إلى لغة الشارع من اللغة العربية.
ويشير إلى أن التحدث باللغة الأجنبية يمنحه إحساسا بالحرية والقدرة على أداء المهمات، لكنه لا يناصر التيار الشبابي الذي يتهم اللغة العربية بالضعف والقصور. ويضيف: "نحن نحتاج إلى تطوير اللغة العربية لتصبح لغة علمية وتقنية مثل الفرنسية التي نتعلمها، لأننا نحتاج إليها في الدراسة والعمل أو الهجرة إلى الدول الغربية".
ازدواجية التعليم
تسببت ازدواجية التعليم التي اعتمدتها "بلاد المليون شاعر" منذ الاستقلال في تهميش اللغة العربية وتعميق الأزمة العرقية واللغوية في البلاد، حيث ينقسم النظام التعليمي إلى عربي بالكامل ينخرط فيها أبناء الشريحة العربية، وفرنسي بالكامل يتجه إليه الزنوج.
كما تم تهميش اللغة العربية في الإدارة الموريتانية بسبب النظام التعليمي ووجود نسبة من الزنوج (20%) الذين لا يجيدون اللغة العربية. وتعيش في موريتانيا قبائل زنجية تكاثرت بسبب هجرات الأفارقة إلى موريتانيا هربا من الحروب والفقر، واستفادت من التجنيس في موريتانيا التي فتحت أبوابها للمهاجرين بعد الاستقلال.
غير أن الصراع بين التيارات القومية العربية والزنجية على قضايا التمييز العنصري وإصلاح التعليم وتعريب الإدارة يسبب أزمات من حين لآخر في البلاد، كان آخرها قرار السلطات تعريب الإدارة تفعيلا للمادة السادسة من الدستور الموريتاني التي تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد.
وبدأ تطبيق تعريب الإدارة في المؤسسة العسكرية على أن يتم تطبيقه في أغلب الدوائر الحكومية مستقبلا. وانقسم الموريتانيون حول قرار تعريب الإدارة، حيث اعتبر الزنوج أن اعتماد اللغة العربية يهدف إلى إقصائهم والقضاء على مستقبلهم الوظيفي، وأنه تنكر لخصوصيتهم ولحقهم في الاعتراف بهويتهم وثقافتهم، بينما أعربت غالبية الموريتانيين عن سعادتها لهذا القرار، وطالبت بتعميمه بشرط ألا يؤثر على تعليم الأجيال القادمة.
نواكشوط - سكينة اصنيب