عمال الترحيلة : عمال يفلحون أرضاً ليست لهم في موريتانيا

أحد, 2014-11-30 14:47

تقترن حياة الفلاحين الموسميّين الذين يُنقلون من منطقة إلى أخرى للعمل كأجَراء، بمجموعة من العادات والطقوس التي تخفّف من معاناتهم خلال عملهم في حقول غيرهم لساعات تطول تحت أشعة الشمس الحارقة.

 

وينسج عمال الترحيلة علاقات وطيدة ببعضهم بعضاً، ويتبادلون أخبار الضيع والمناطق الزراعيّة. وفي المساء، بعد انقضاء ساعات العمل الطويلة، يجتمعون لتشارك القصص والأساطير، وللاحتفال بأيام الحصاد بالأهازيج والرقصات والطقوس العريقة.

 

مع بداية كل موسم فلاحي، تعود الحياة إلى الضيع والحقول. ويعود الفلاحون إلى مزاولة نشاطهم الأساسي، مكتفين بما تجود به الأرض عليهم من خيرات. وينتقل العمال إلى الضيع الفلاحيّة لجني محصولها، في شاحنات وحافلات كبيرة. هناك، يتوزّع الرجال والنساء في فرق لإنهاء أعمال الفلاحة في وقت قياسي، قبل أن ينتقلوا إلى أرض أخرى.

 

ويسمح نظام الترحيلة للشباب بالتعارف. فخلال هذه اللقاءات تنشأ قصص حبّ غالباً ما تنتهي بالزواج، بعد انتهاء موسم جني المحصول. ويعتمد العمال على المال الذي يجمعونه خلال الموسم، لتغطية مصاريف الزواج. كذلك تتيح هذه اللقاءات الفرصة للخصوم حتى يصفّوا خلافاتهم على ملكيّة الآبار والأرض، وتجاوز مشاكل الإرث والثأر التي تخلّف مآسي اجتماعيّة في قرى الجنوب.

 

وعلى الرغم من معاناة عمال الترحيلة نتيجة الغربة والإجهاد خلال العمل، إلا أن لقاءاتهم تخفّف من معاناتهم. فهم يعمدون خلال عمليّة الزرع وجني المحصول، إلى سرد القصص وقراءة الأشعار وإنشاد الأغاني.

 

وقد ساعد ركود سوق العمل وارتفاع البطالة في إقبال الشباب على العمل بنظام الترحيلة. وتعرف مناطق روصو وكيهيدي عمليات ترحال يوميّة للعمال الباحثين عن لقمة العيش. فتتجمع أعداد غفيرة من هؤلاء أمام عربات التراحيل التي تنقلهم إلى الضيع الفلاحيّة في مشهد عادي ومألوف.

 

في الصباح الباكر، ينادي السماسرة بصوت عالٍ في "الموقف" أو المكان الذي يجتمع فيه العمال والحرفيّون، لجمع أكبر عدد من الراغبين في العمل في الحقول. ويغري السماسرة هؤلاء العاطلين عن العمل بأسعار عمل يوميّة وأسبوعيّة. وحين تمتلئ الشاحنة بالعمال، تنطلق إلى الضيع حيث يكون في استقبالها مسيّر العمال الذي يقسّمهم إلى مجموعات تعمل كل واحدة بحسب نظام وتوقيت ومهمّة محددة.

 

عمر ولد العريبي (34 عاماً)، من عمال الترحيلة، يفضّل العمل في ضيع حصاد الأرز على جني الخضار والفاكهة، لأن مواقيت العمل أفضل. فهو يبدأ عند السادسة صباحاً وينتهي عند الظهر. كذلك، فإن الأجر اليومي للعمل في حقول الأرز أعلى مما يجنيه بقيّة العمال الموسميّين.

ويبرّر عمر عمله في نظام الترحيلة، بأنه لا يجيد سوى العمل في القطاع الفلاحي، ولا يملك إلا قطعة أرض صغيرة أقام عليها بيتاً لعائلته. يقول: "أحاول أن أؤمّن المال لعائلتي من خلال الكدّ في حقول الغير، وتحمّل الكثير من أجل البقاء مع العمال الموسميّين. فالأرض التي أملكها صغيرة ولا أستطيع زرعها والعيش من منتوجها".

 

ويثير نقل العمال والفلاحين الفقراء الذين لا يملكون أراضي زراعيّة للعمل في أراضي الغير، حنق الناشطين الذين ينادون بتحرير العبيد السابقين من التبعيّة للغير بسبب فقرهم وتهميشهم. وينتمي معظم عمال الترحيلة إلى شريحة "الحراطين" الذين عانوا من العبوديّة في العقود السابقة.

 

ويقول الباحث الحقوقي يحيى ولد الغالي إن عدداً كبيراً من أبناء الحراطين يعملون في الفلاحة كعمال موسميّين، وقد ارتبطوا بهذا العمل منذ القدم. حتى إن بعضهم يعتبر أن كلمة "الحراطين" محرّفة عن كلمة "حراثين" أي مزارعين، فيما يعتبر آخرون أن أصل الكلمة هو "الأحرار الطارئين".

 

ويشير ولد الغالي إلى أن استمرار العمال الموسميّين - الذين يشكّل الحراطون غالبيتهم - في العمل في السخرة ومعاناتهم من ظروف التنقّل، يثير حفيظة المدافعين عن الحراطين الذين يطالبون بتحسين ظروف عملهم وتوفير أراضٍ لهم بدلاً من العمل كأجراء.

 

ويوضح أن "هذا العمل ينكأ جراح الماضي، خصوصاً لدى هؤلاء الذين يعملون في حقول رجال الأعمال والوجهاء الذين كانوا حتى وقت قريب أسياداً لهم".

 

وأثارت مؤخراً مطالبة الحقوقيّين بـ"الملكيّة العقاريّة" للعبيد السابقين جدلاً واسع النطاق في موريتانيا، بعد قيام حركة حقوقيّة بتنظيم قافلة تضمّ فلاحين وعمال موسميّين لدفع الدولة إلى إقرار حق هؤلاء في الملكيّة العقاريّة للأراضي التي يعملون بها كأجراء

نواكشوط ــ خديجة الطيب