كانت طالبة مجدة ومتفوقة في كل مراحل دراستها، حيث حصلت على جميع شهاداتها المدرسية في مدينة ازويرات محل سكنها ومسقط رأسها، لتنتقل لانواكشوط سنة 2002 بعد حصولها على شهادة الباكلوريا شعبة العلوم الطبيعة، و بعد 4 سنوات من الدراسة والبعد عن الأهل وظروف العاصمة القاسية على القادمين من الداخل حصلت على شهادة المتريز (سنة 2006) في تسيير المؤسسات (كلية العلوم القانونية والإقتصادية بانواكشوط).
لتعود وكلها فرح وأمل في أن تجد وظيفة في مدينتها إلى جانب والدتها واخوتها، لكن القدر كان يخبئ لها مسارا مغايرا لما حلمت به.
خلال أكثر من 3 سنوات من البطالة لم تساعدها الظروف في إيجاد عمل يحترم تخصصها رغم حاجتها الماسة آنذاك له.
اودعت في تلك الفترة الكثير من طلبات التوظيف لدى الجهات المعنية في المدينة دون جدوى.
لم تعلن اسنيم آنذاك عن أي اكتتاب ولا مسابقة باستثناء حالات اكتتاب فردية يشوبها الكثير...!
في خضم حالة الترقب وبداية اليأس علمت بالصدفة أن الشركة الوطنية للصناعة والمناجم اعلنت عن مسابقة اكتتاب يشترط فيها وصول المترشح لمستوى الباكلوريا، فشاركت دون تردد ونجحت وتم اكتتابها بتاريخ 13/10/2009.
تم اكتتابها في الشركة التي طالما حلمت بالعمل فيها موظفة إدارية كما تمليه شهادتها لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن.
رغم ذلك كان عزاؤها أنها اكتتبت في شركة تعتبر نفسها ابنتها وكيف لا و والدها رحمة الله عليه كان رئيس فرقة للحفر المنجمي وهو من قدماء عمال اسنيم.
لذا كان حب اسنيم في دمها، دخلت مجال المعادن واصبحت سائقة جرافة نوع "Niveleuse"،
وفي البداية وجدت صعوبة في التأقلم وهي الشابة التي كانت تحلم بالعمل في مكتب مكيف وفجأة اصبحت تسوق جرافة في ظروف عمل منجمية قاسية.
كانت تعمل بجد آملة أن تثبت ذاتها في هذا المجال الذي ظل حكرا على الرجال إلى وقت قريب.
ورغم أن نساءً سبقنها للمجال وكرمت إحداهن من طرف الدولة كأول موريتانية تسوق جرافة منجمية فقد تألقت هي بينهن وحازت مرارا على جوائز وحوافز من مديرها لكونها الأولى دائما في الإنتاج بينهن.
بعد أزيد من 10 سنوات من العمل والمثابرة تدرجت خلالها هذه الشابة من رتبة S5 حتى وصلت سنة 2015 إلى رتبة M2 وهي الرتبة الأخيرة في سلم الرتب التي يمكن لسائقي الجرافات الحصول عليها ما لم يضيفوا خبرة أخرى إلى خبراتهم كسياقة نوع آخر من الآليات أكثر خطورة هو جرافة Bull.
طالبت الشابة مدفوعة بالحماس وحب التحدي من إدارة المؤسسة منحها فرصة لتجربة العمل على ما يسمى بيل Bull وهو نوع من الجرافات لا يقوده عادة إلا الرجال وهو ما يمكنهم من الحصول على رتبة M3 بخلاف زميلاتهم.
بعد خمس سنوات من التكرار المتواصل لهذا الطلب واصرار العاملة عليه استجابت المؤسسة لطلبها وتم ابلاغها قبل أشهر بذلك في اجتماع ضم عدة مسؤولين في القطاع من بينهم مسؤولين مباشرين في المصلحة التي تعمل بها.
تقول الشابة: "في هذه اللحظة شعرت بشعور غريب هو مزيج من الفرح والخوف، الفرح لإستجابة المؤسسة لطلبي بعد سنوات عدة من المطالبة بمنحي فرصة التكوين والتجربة،
والخوف لأن هناك مسؤولية إضافية وقعت على عاتقي بعد هذه الإستجابة من لدن المؤسسة" وتواصل العاملة الكلام فتقول: "كوني أول إمرأة في موريتانيا تقوم بهذه المهة وكوني سأجمع بين جرافتين نيفليز وبيل وهي سابقة بحد ذاتها بين عاملات المؤسسة".
تقول الشابة أيضا "قاموا بتشجيعي بدءًا برئيس المصلحة ومسؤوليها وانتهاءً بزملائي الأعزاء.
وهكذا بدأت العاملة التحدي وكلها عزم على النجاح فلا مجال هنا للفشل!
في البداية كانت التجربة صعبة لكنها كما تقول "هانت شيئا فشيئا بفضل الله أولا ثم بفضل تشجيع عائلتها ورؤسائها ومكونيها وزملائها العمال".
هذه العاملة أنهت التكوين قبل أسابيع واجتازيت الإمتحان بنجاح باهر وها هي اليوم بعد مسيرة حافلة بالدراسة والصبر ثم العمل والجد والتحديات تنتظر رتبتها الموالية M3.
فتحية لكل امرأة عاملة، منتجة، كادحة، رافضة للنظرة الدونية، رافعة راية التحدي صارخة في وجه كل مشكك مستهزئ بقدراتها أن "اصمت يا هذا وراقب كيف يمكنني أن أصل عنان السماء وأكسر قاعدة المستحيل فأحقق حلمي دون وساطة وأتربع على العرش دون سلالم مهداة"!
تلك العاملة الشابة هي شقيقتي "كبولة منت المخطار"، العاملة في الشركة الوطنية للصناعة والمناجم، التي يشهد لها الجميع بالأخلاق الطيبة وحسن السير والسلوك، لقد أصبحت أول عاملة في هذه الشركة (بالتأكيد) وأول موريتانية (حسب علمي) تقود جرافة من نوع Bull، فتحية لها من قلب أخت تفخر بها وتكن لها الكثير من الحب والتقدير والإحترام.
واصلي وفقك الله وسدد خطاك، واصلي ولا تلتفتي إلى السلبيين فطريق النجاح طويل ويحتاج إلى جانب البذل والمثابرة تجاهل المشككين والسلبيين.
دمت بخير
أمة الله لهبيلة المخطار