أجرت وكالة "موريتانيا اليوم" مقابلة خاصة مع ، أول من باشر الإشراف على لجنة كتابة أول مصحف مطبوع في موريتانيا؛ الدكتور سيدي عبد القادر ولد اطفيل .
الدكتور سيدي عبد القادر ولد اطفيل من مواليد 1960 بمقاطعة مكطع لحجار ولاية لبراكنة ؛ و هو أستاذ جامعي لمادة اللغة العربية والشريعة الإسلامية، و قد تولى عدة مناصب من أهمها إدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي (2007 - 2009)، ثم منصب مكلف بمهمة بنفس القطاع بين 2009 و 2014.. ثم عين مديرا عاما مساعدا للمعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية سنة 2014.
فيما يلي نص المقابلة؟
-كيف بدأ التفكير في عمل المصحف ومتى؟
عندما كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ذَا توجه وخطاب إسلاميين في بداية عهده فأنشئت قناة المحظرة وإذاعة القرآن الكريم أمر سنة 2011 بالعمل على إخراج مصحف برواية ورش وإنشاء مسجد كبير يتسع لخمسة عشر ألف مصل ويتكون من كذا وكذا الى آخر ما تردد في الإعلام على لسان وزير الشؤون الإسلامية حينذاك الاستاذ أحمد ولد النيني فخرج المصحف بعد تسعة أشهر من العمل الجاد الصامت وما زال المسجد في أرحام الإعلام على أن إخراج المصحف كما قال أول رئيس لجنة للمصحف في التاريخ زيد بن ثابت رضي الله عنه: (والله لو كلفوني نقل جبل لكان أخف علي مما كلفوني به من أمر المصحف) والمسجد لا يحتاج أكثر من ترشيد للمال وعدد من العمال.
- ماهي أهم المراحل التي مر بها العمل؟
بعد اعلان الجهة الوصية على المصحف عنه وهي وزارة الشؤون الاسلامية وتعيينها لجنة متخصصة بدأت اللجنة في وضع التصورات والخطط لإنجاح المشروع ومرت بأطوار ومراحل يطول شرحها لكنها محفوظة في ارشيف المصحف البالغ نحو 500 صفحة ويمكن الاطلاع عليها.
- ماهي الصعوبات التي واجهت اللجنة ؟
أولا: كانت هذه أول محاولة وطنية لعمل مصحف فلا توجد عندنا خبرة في عمل المصاحف مع خطورة الموضوع لتعلقه بكتاب الله فأي خطإ فيه مهما كان صغيرا يعدُّ كبيرا ينسف المشروع من أصله فكان هاجس الخوف من الفشل أقوى من الأمل في إنجاز العمل.
ثانيا: كانت اللجنة قليلة جدا لا تتجاوز برئيسها ستة فكان عملها فوق طاقتها ولعلها أصغر لجنة مصحف في تاريخ المصاحف.
ثالثا: كانت اللجنة في عمل متواصل غير متقيد بالدوام الرسمي بلا رعاية معنوية ولا مادية ولو قلت : إنها بلا مقر لم تبعد عن الحقيقة . وذلك في وقت كان فيه رئيس الجمهورية (الإسلامية ) يحضر مباريات الأندية الرياضية مشجعا ويتبرع لها بالمال فيقلده كبار المسؤولين ورجال الاعمال . وبودي لو يزور الرئيس السابق - وقد وجد الوقت الآن صحبة وزيره الوصي آنذاك- المكانَ الذي عُمل فيه المشروع الذي يضعه الإعلام حينذاك على رأس منجزاته ويخبر كل منهما الآخر بشعوره وماذا يفعل لو استقبل من أمره ما استدبر.
والخلاصة أن اللجنة كانت تعمل في ظروف أقل ما يقال فيها : إنها قاسية مهينة ولسان الحال ينشد: " ألقاه في اليمِّ مكتوفا وقال له* إياك إياك أن تبتل بالماء" ويكفي أن تعلم أخي الكريم أن اللجنة التي أنجزت أول مصحف في تاريخ البلد لم يقابلها رئيس ولا رئيس حكومة ولا رئيس حزب ولا غيرهم ولا زاروها في مكانها حتى لا أقول في مقرها سوى الوزير الوصي وآخر سابق مر على وزارة الشؤون الإسلامية مرور الكرام وأنها لم تجد مسؤولا يقدر عملها ويدرك قيمته وأهميته ووجوب استمراريته غير وزيرين سابقين مرا بهذه الوزارة مرور الكرام فتركا أثرا طيبا وذكرا حسنا وتود اللجنة لو تعمل لهما حفل تكريم يليق بهما.
-ماهي الجهات التي كان لها أثر في إنجاز العمل؟
الحقيقة التي لا بد من الصدع بها للأمانة والتاريخ أن الفضل في إنجاز مشروع المصحف يرجع بعد عون الله تعالى وتوفيقه الى لجنته فقد كانت تعمل بجد وإخلاص رغم الظروف القاسية التي مرت بها طيلة عملها وكان عزاؤها الوحيد هو إنجاز عمل وطني مقدس ينتفع به بعد الموت وتنتفع به الأجيال المتعاقبة . وكم تمنيت - باعتباري رئيسها عرفتها عن قرب وشاركتها في عملها كأحد أعضائها- لو عملتُ لكل واحد منها حفلا تكريميا خاصا به .
فقد كانت لجنة مباركة مخلصة لمّا خذلها الجمهور ونقصتها الوسائل وفقها الله تعلى وأعانها حتى أنجزت عملها على أحسن وجه في أقصر مدة. ثم يرجع الفضل الى الجهة المنفذة للطباعة والإخراج وهي المرحوم ديد بن اسويدي فقد واكب اللجنة بصدق واستعداد لتذليل الصعاب ولولاه لانقطعت اللجنة في الطريق وتوقفت عن العمل رحمه الله تعالى وجزاه الجزاء الأوفى فقد كان رجل خير وإنجازات قدم للجنة والمصحف منفردا مالم تقدمه الدولة مجتمعة. وما سوى هاتين الجهتين لم يكن له أثر في إنجاز المصحف أعني الجهات التي يتوقع منها ذلك الأثر بل كان كثير منها عائقا لعمل اللجنة ومشوشا عليها حتى داخل الوزارة الوصية نفسها.
-كيف تعاملتم مع التشويش الذي واكب المصحف في جميع مراحل العمل وبعد إنجازه؟
أولا: كانت بعض الشخصيات العلمية التي عملت في مشروع المصحف عدد سنين قبل أن تنتدب له الدولة لجنة رسمية ترى أنها أولى بذلك فكانت تشوش على اللجنة طيلة عملها وتعمل بكل الوسائل على إفشالها ومنهم من لم يسبق له عمل به غير أنه حريص على أن يكون من اللجنة وربما ظنوا أن للجنة امتيازات كبيرة وأنها ذات طابع استمراري مثل الهيآت الوطنية كالمجلس الإسلامي الأعلى سابقا والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم واللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والله أعلم بحال اللجنة فليتهم علموا أنه لا امتيازات ولا استمرارية فاستراحوا وأراحوا.
ثانيا: كانت جهات سياسية معارضة تقحم مشروع المصحف في السياسة وترى أنه تأخر كثيرا وكانت الجهة الوصية تضرب مواعيد للإنجاز لا علم للجنة بها ولا تستطيع تحديدها أصلا وما درى المعارضون والموالون أن إخراج المصاحف ليس نشاطا جهويا يقوم به وزير أو مدير لتبرير صرف من ميزانيته وتغطيه وسائل إعلامية في الغالب موالية وأن المصاحف لا تخرج عادة في أقل من نحو خمس سنين وفاتهم أن قطر في تلك الفترة تحتفل احتفالا دوليا بإخراج مصحفها بعد عشر سنين بتكلفة أكثر من ست وعشرين مليون دولارا.
ثالثا: عندما وزع المصحف ووقع في أيدي الناس لم تكن اللجنة موجودة ولا لها عنوان ولا مقر بل تفرقت أيدي سبا كالمحجورين الآن صحيا إذا خرجت فحوصهم سالبة فكان كل من رأى أنه اكتشف في المصحف خطأ لم يجد مرجعية يرد الأمرإليها فينشره في وسائل الإعلام فتطير به كل مطار وتدخله كل بيت ودار وربما وقع بعضهم في اللجنة ونسبها للجهل وعدم الأهلية فتتجاهل الوزارة المعنية أو ترد ردا سياسيا لا علاقة له بالقضية العلمية ويتولى ذلك غير متخصص لا علاقة له بالمصحف أصلا فتزيد الطين بلة.
-ماهي وضعية المشروع الان هل توقف وما أسباب توقفه وما مصير لجنته و هل استمر وأين هو؟
مشروع المصحف كان حلما وخيالا فلما صار حقيقة وواقعا لم يلبث أن رجع كما كان أولا فقد سُرِّحت لجنته بلا شكر ولا تكريم وطُوي هو بلا نشر ولا احتفال إلا ماكان من توزيع نسخ منه على المفطَّرين في الرئاسة من الفئات الهشة في مشهد مهين كادت تنسحب منه اللجنة لولا ما يقتضيه الأدب والسكينة والوطنية من احترام الرئاسة والرموز والمؤسسات الوطنية.
وقد كانت الوزارة وعدت اللجنة بالاحتفال به في الرئاسة بدل قصر المؤتمرات لكن الوكالة الموريتانية للأنباء كانت أكثر دقة وموضوعية حين ذكرت يومها أن الرئيس أعد في القصرالرئاسي إفطارا للفئات المهمشة وعلى هامشه وزعت نسخ من المصف الموريتاني. وهكذا أسدل الستار على عمل مقدس أنفقت فيه اللجنة جهدها ووقتها ليكون باقيا لا يرتبط بزمان ولا شخص ولا نظام فإذا به يراد له أن يكون عملا موسميا دعائيا يطوى كما تطوى الخيام الموسمية الدعائية.
أما أسباب توقف المصحف وأين هو فهذا ينبغي أن تسأل عنه الجهات المعنية وأن يكون من جملة ما تحقق فيه اللجنة البرلمانية المكلفة بالتحقيق في الفساد بل من أول ما تحقق فيه فإن إنجاز مصحف ليس بالهين اليسير وقد علمتَ ما أنفقت قطر على مصحفها من الوقت والمال ولما لم ننفق على مصحفنا كثير مال وخرج في مدة قياسية لا نظير لها في تاريخ المصاحف هان الأمر علينا ولَم نعطه مايستحق من الرعاية والاستمرارية وظننا أننا قادرون على إحيائه بعد وأده متى شئنا ونسينا أن تجربته محصورة في لجنتة وهي ذاهبة في أي وقت مما يردنا إلى الصفر.
وأما مصير اللجنة والمصحف فقد حدثتك عنهما فلم تكن هي إلا مثل العمالة اليومية التى تُشغَّل أول النهار وتسرَّح آخره ولَم يكن هو إلا عملا موسميا دعائيا حسبما انتهى إليه الحال. ولكن اللجنة توقعت أن يكون لفخامة رئيس الجمهورية المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني ولمعالي وزيره للشؤون الإسلامية القاضي الداه ولد أعمر طالب اهتمام خاص بالمصحف الموريتاني بإنشاء هيئة خاصة به ذات طابع استمراري على غرار الدول الاخرى والمؤسسات الوطنية الاخرى مثل المجلس الأعلى للفتوى والمظالم ونرى أن الذي أخر ذلك هو ما شغل الدولة والعالم وأوقف نشاط المؤسسات وحين يرفعه الله عنا بلطفه وفضله سيكون من الأولويات عندهما إن شاء الله تعالى.