في إطار برنامجها الحواري التنويري "ساسة وآاراء" الذي يبث عبر قناتها على اليوتيوب، استضافت وكالة "موريتانيا اليوم" النائب البرلماني محمد بوي ولد الشيخ محمد فاضل؛ حول موضوع لجنة التحقيق البرلمانية المثيرة للجدل، و خاصة عن رأيه ، هل هو مع أم ضد استدعاء اللجنة البرلمانية للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ، و ذلك لانارة الرأي الوطني بشكل عام، عن ما يحتاجه من معلومات وشروح مفصلة حول طبيعة لجنة التحقيق البرلمانية ونطاق اختصاصها وحدود صلاحياتها؟
حيث صرح النائب محمد بويا أن هذا الموضوع يتضمن جوانب عدة: الجانب الأول أن المواطنين غير متعودين على عمل اللجان البرلمانية لأنه كان غائبا عن البرلمان عندنا، وبالتالي تعتبر هذه أول لجنة برلمانية تقوم بعملها، و من هنا فأن وجود أخطاء في مسيرتها يعود لعدم تعود النواب على مثل هذا الإطار.
الجانب الثاني أن الفهم القانوني لمكانة رئيس الجمهورية السابق ليس محل اتفاق في القراءة الدستورية لدى البعض، أيا كان الدافع وراء هذا التفسير أو ذاك. فيما يخصني سأقدم رؤية مرتبطة بقراءة موضوعية المادة الدستورية التي تعالج الموضوع.. ذلك أن مرجع هذه القضية هو مبدأ استعادة الحقوق العامة التي يعتبر المواطن الموريتاني صاحب الحق في استرجاعها، وهذا مبدأ موجود في العديد من الدساتير إذ من المهم أن يقدم للمحاكمة أي حاكم حكم بلدا ما لفترة محددة ثم غادر السلطة إن كان مطالبا ببعض حقوق الشعب. وأن يجعل في وضع قانوني يتيح مساءلته. خلافا لما يعتقده البعض، لم يتم إنشاء لجنة التحقيق البرلمانية خصيصا لموضوع عشرية الرئيس السابق بل أنشئت من أجل جملة من الأمور و القضايا الوطنية كي يتم التطرق إليها.. لكن جزء من عمل اللجنة تضمن اقتراحا يتعلق باستدعاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وكان ينبغي استدعاء كل الرؤساء السابقين حتى يتم تطبيق العدل، وحتى لا يكون هناك استهداف لشخص بعينه.
لا يمكن للعدالة أن تتحقق إلا باتباع القانون نصا وروحا.. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى أن لا يكون هناك استهداف لجنة دون أخرى.. ثم إن معالجة التعامل مع رئيس الجمهورية يحدده الدستور الموريتاني في الباب الثامن منه وبنص المادة 93 وسأقرا عليكم نص هذه المادة من دستور 1991 في آخر تعديل..
تقول المادة 93:
لا يكون رئيس الجمهورية مسؤولا عن أفعاله أثناء ممارسة سلطاته إلا في حالة الخيانة العظمى، لا يتهم رئيس الجمهورية إلا من طرف الغرفتين اللتين تبتان بتصويت متطابق عن طريق الاقتراع العلني ، و بالأغلبية المطلقة لأعضائهما. وتحاكمه في هذه الحالة محكمة العدل السامية..
الفقرتان الأولى والثانية من هذه المادة هما اللتان تعالجان مسألة التعامل مع رئيس الجمهورية، وقد منح الدستور الموريتاني خصانتين إحداهما لرئيس الجمهورية والثانية لنواب البرلمان. بالنسبة بحصانة النواب، لا يسمح بمساءلتهم في أي قضية تتعلق بمهامهم في أية فترة، بينما تم فتح المجال بالنسبة لحصانة رئيس الجمهورية لمساءلته في كل ما يتم تكييفه من قبل البرلمان على أنه خيانة عظمى وإحالته تبعا لذلك لمحكمة العدل السامية.
وفي الخيانة العظمى جوانب معنوية.. فمثلا أن يرتكب الرئيس أفعالا تؤدي للنظرة القاصرة للوطن فهذا يعتبر خيانة عظمى. إذا ثبت أن رئيس الجمهورية منح صفقة تخالف القانون وتمس من مصالح الوطن فهذه خيانة عظمى. إذا ثبت أنه ارتكب تصرفا فرديا لا مصلحة فيه للوطن ودون أساس قانوني ودراسة مسبقة تثبت ذلك فهذا يعتبر خيانة عظمى.. مثلا نحن لدينا ميناء واحد فإذا ثبت لنا أن ذلك الميناء تمت فيه صفقة بدون دراسة تثبت المصلحة العامة منها فهذا بمكن تصنيفه خيانة عظمى.. ونفس الشيء ينطبق على صفقات المطار إذا ثبت أنها تمت دون مراعاة المصلحة العامة فيها. كذلك إذا مارس الرئيس تصرفات تؤدي إلى ازدراء الشركاء للدولة وللشعب فهذه خيانة عظمى.. إذن فتكييف الخيانة العظمى أمر سهل جدا، وبالتالي لكي تكون المسطرة القضائية سليمة والنتيجة سليمة فمن الواجب، عند التعامل مع الرئيس السابق، معرفة أنه لا تمكن مساءلته عن تصرفاته أثناء فترة حكمه إلا إذا كيفت تصرفاته تلك على أنها خيانة عظمى. ولا يمكن توجيه الاتهام له إلا من طرف الجمعية الوطنية ولا تمكن محاكمته ومساءلته إلا أمام محكمة العدل السامية.
كل هذا لا يدل على أن الرئيس لا تمكن مساءلته في جوانب حياته الأخرى.. نحن لدينا رئيس تم استدعاؤه من قبل لجنة التحقيق البرلمانية وقد حكم لمدة عشر سنين بفترة قانونية، وهذا تمكن مساءلته عن كافة أفعاله السابقة لتوليه السلطة من قبل أي محكمة وكذا من بعد اليوم الأول لمغادرته السلطة لأن هذا لا يتعلق بتصرفات أثناء ممارسته السلطة كرئيس للجمهورية.
نحن هنا نتكلم عن أي تصرف قام به أي رئيس سابق خلال الفترة التي أدى فيها اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية حتى يسلم السلطة، خاصة أن المادة الدستورية نفسها أوضحت أن الوزير الأول وأعضاء الحكومة مسؤولون عن تصرفاتهم جنائيا وقد استثنت رئيس الجمهورية من ذلك.
الهدف من هذا أن الدولة لا يتم بناؤها على أساس النقمة حتى لا نكون أمام حالة كلما دخلت أمة لعنت أختها.. لا تقوم الدولة إلا على أساس العدل واتباع الإجراءات القانونية في محاكمة رئيس الجمهورية مثلا.. وإذا كان كل رئيس تولى الحكم يبدأ بمحاكمة سلفه وكذا الحكومة بغير حق قانوني فهذا يؤدي إلى ضياع حقوق المواطنين وستتواصل السرقة والاحتيال لأنها عملية تقوم على أساس رأي شخصي بعيدا عن القانون، وهذا ما يجعلني أقف ضده امتثالا للآية الكريمة: {وَ لا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَوٰمٍ عَلى أن لا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أقٰرَبُ للتَّقٰوى} صدق الله العظيم.