قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الموريتاني البارز الأستاذ محمد عالي ولد العبادي؛ مدير وكالة "المستقبل" الإعلامية إن ما جرى مؤخرا في البنك المركزي الموريتاني يعتبر قضية بالغة الحساسية و على السلطات العمومية أن تقوم بالتحقيق في ملابساتها بكل جدية وصرامة.
واعتبر ولد العبادي، في حديث لقناة "موريتانيا اليوم" على اليوتيوب، أن البنك المركزي يعتبر بمثابة حافظة البلد ومأمن الاقتصاد الوطني والعملات التي تصدر من موريتانيا؛ مبرزا أن تفجير هذه القضية في الظرف الحالي يحمل رسالة للسلطات بأن عليها الضرب بيد من حديد لضمان إجراء تحقيق دقيق وحازم يفضي لمحاسبة الضالعين في العملية ايا كان مستوى مواقعهم في هيكلة المؤسسة.
وتطرق ضيف "موريتانيا اليوم" إلى موضوع استدعاء الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ورفضه المثول أمام لجنة التحقيق اابرلمانية؛ حيث اعتبر أن هذا الاستدعاء "لم يكن بالأمر المفاجئ على أساس أن هناك لجنة برلمانية مخولة من طرف السلطة التشريعية التي منحتها صلاحية التحقيق في ملفات محطة تتعلق بالفترة الماضية والتسيير خلال العشرية الأخيرة".
وقال المدير العام لوكالة "المستقبل"، في معرض رده على تساؤلات قناة "موريتانيا اليوم":
"أولا أعتقد أن استدعاء الرئيس السابق من طرف اللجنة البرلمانية لم يكن شيئا مفاجئا باعتبار أن هناك لجنة تحقيق مخولة من طرف البرلمان الذي منحها الصلاحية التحقيقات ملفات محددة تتعلق بالفترة الماضية والتسيير خلال العشرية الأخيرة.
لقد تم الاستماع لجميع الأطراف المعنية بهذه الملفات سواء كانوا وزراء أو وزراء أُول أو مسؤولين في الدولة، وعندما انتهى التحقيق معهم أصبح من اللازم منح الفرصة للرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز للرد على ما ورد في شهادات وتصريحات هؤلاء وعلى التهم التي قد تكون وجهت له من قبل بعضرمعاونيه السابقين.
ولكي لا يكون الملف محددا سلفا أو يحمل نوعا من الاستهداف للرئيس السابق، منحت اللجنة لهذا الأخير حقه في الدفاع عن نفسه والاستماع له حتى يكون الملف مكتملا يضم شهادات وأقوال جميع الأطراف.
لجنة التحقيق البرلمانية ليست هيئة قضائية بمعنى أنها ليست محكمة والتحقيقات التي تجريها هي مجرد تحقيقات وليست أحكاما قضائية، فهي تكتفي بالإستماع لتصريحات وشهادات الجميع حتى يتم ضبط كل الملفات وتصبح جاهزة لتحال للبرلمان وبعد ذلك يتم تقديمها لمحكمة العدل السامية التي يجري التحضير لإنشائها من جديد.. لهذا أعتقد أن القضية حين يتم النظر إليها من هذه الزاوية يكون الأمر بسيطا.
كان من المتوقع، وكما صرح الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز نفسه بذلك خلال مؤتمر صحفي، أن تكون هناك مرونة في التعاطي مع هذا الملف خاصة وأنه قال إنه مستعد ولا يخاف التحقيق حول ملفات سابقة ومستعد للإدلاء بشهادته ودخول المعمعان حتى يثبت براءته.
أعتقد أنه كان من المطلوب أن ينتهز الفرصة ويأتي بمرونة حتى يسجل نقاطا إضافية تخدم صورته لدى الرأي العام وتثبت أنه لا يخشى هذه الاتهامات ولا يخاف من التحقيق كما قال، لكن يبدو أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن؛ فالرئيس السابق رفض المثول أمام اللجنة.
الجميع ينتظرون الآن قرارات اللجنة ويتساءلون عما إذا كانت ستكتفي بالذي قاله بعض المختصين في القانون الدستوري من أن اللجنة البرلمانية يمكن أن تكتفي باستدعاء الرئيس السابق وتضبط القضية لتدمجها في الملف العام وتبين في تقريرها النهائي أن المعني تم استدعاؤه لكنه لم يحضر، ثم تترك الأمر وتطوي الملف.. إذا اعتقد ان الكرة باتت الآن في مرمى اللجنة وعلينا أن ننتظر القرار الأخير الذي سيصدر عنها في نهاية المطاف.
هناك من يرون بأن اللجنة قد تكتفي باستدعائها للرئيس السابق وهناك من يصرون على أن عدم استجابة هذا الأخير لاستدعاء اللجنة يحمل نوعا من الاحتقار والتطاول على سيادة الدولة وهيبتها باعتبار اللجنة مخولة من البرلمان الذي هو مؤسسة دستورية لها مكانتها ووزنها وإذا استدعت أحدا، أيا كان، فيجب عليه الامتثال لذلك حفاظا على هيبة الدولة وعلى السير المنتظم للمؤسسات الدستورية بشكل عام".
وفي معرض رده على سؤال يتعلق بالفضيحة التي هزت البنك المركزي مؤخرا، والمتمثلة في اختفاء مبالغ ضخمة من العملة الصعبة واكتشاف أخرى مزورة كانت في صندوق هذا المؤسسة النقدية السيادية؛ قال محمد عال ولد العبادي:
"أما فيما يتعلق بقضية البنك المركزي، فأعتقد أن ما جرى فيه أمر مثير حقا.. مثير من حيث التوقيت ومن حيث التفاصيل..
من حيث التوقيت لأن القضية انفجرت تزامنا مع استدعاء الرئيس السابق وتطور مسار التحقيق في ملفات العشرية.
هل انفجرت تلك القنبلة صدفة ام كان مخططا لها من أجل خلق حدث يشغل الإعلام ويشد أنظار الرأي العام عن التحقيقات التي تجريها اللجنة البرلمانية.
هذا راي لدى البعض وربما تعززه حادثة السطو على إدارة الميزانية العامة للدولة وأخذ بعض الأجهزة والوثائق منها، وبعد ذلك السطو على مبنى المحكمة العليا.
هذه أمور تخفي، في الحقيقة، ما تخفيه، وهي مثيرة لكل مراقب الحق في أن يؤولها ويقرأها باعتبار أنها بفعل فاعل وأنها قد لا تكون مجرد صدفة وإنما عمليات تم تنفيذها بطريقة محكمة.
أعود للبنك المركزي لاقول إنني أعتقد أن الدولة مهما كانت، تعتبر أنظمتها المالية مقدسة واي ضربة تستهدف تلك الأنظمة تشكل ضربة في صميم تلك الدولة ولذا فقد رأينا وما زلنا نرى دولا تعصف بها الأزمات والصراعات والفوضى ومع ذلك ظل النظام المالي، وخاصة البنك المركزي في كل منها مقدسا ويبقي يعمل بطريقة عادية دون تزوير أو اي نوع من هذه الأمور.
في ليبيا التي انهارت كدولة يعمل فيها البنك المركزي بشكل طبيعي واليمن رغم الانقسامات والحرب ما يزال نظامها التالي وبنكها المركزي على حاله يحترمه الجميع ولا يجرؤ أحد على النيل من مصداقيته وقدسيته السيادية.
اعتقد أن هذه القضية قضية حساسة جدا والحكومة مطالبة بالتحقيق في ملابساتها باعتبار أن كشفها والتحقيق فيها بطريقة صارمة تعيد للدولة هيبها وللنظام الحالي مصداقيته بعد أن حاول البعض أن النيل منه والتشويش عليه خاصة عندما يكون في الأمر مبالغ من العملة الصعبة.
البنك المركزي يجب أن يبعد عن أي تشكيك في قضيته، والمحللون ينظرون الآن لهذه القضية على أنها الشجرة التي تغطي الغابة.. هناك غابة من القيادة وهناك تراكمات تجعل من غير المنطقي أن تتم هذه العملية في الظرف الحالي بالذات إذ لا بد أن تكون هناك خلفيات كبيرة وقد يكون الأمر نوعا من استمرار نهج كان خفيا في السابق وتم تفجيره الآن..
اعتقد أن انفجار هذه القضية حاليا هو رسالة للسلطات عموما على أن تضرب بيد من حديد من أجل إجراء التحقيق ومحاسبة الضالعين في هذه القضية سواء كانوا على مستوى عال أو دون ذلك..
يجب أن أن يؤتي هذا التحقيق أكله وتظهر نتائجه حتى تستمر الثقة في هذه المؤسسة النقدية الوطنية التي تمثل سيادة الدولة.