يشحذ مدربون تابعون لإدارة للنقل البري، همم السائقين الجدد، من أجل كسب معارف تمكنهم من خوض تجربة فريدة في موريتانيا، وينتظر أن تغير شكل العاصمة نواكشوط. إنها التحول من قيادة عربات تجرها الحمير، إلى أخرى حديثة وذات محرك يعمل بالديزل.
يرتدون قمصانا بيضاء وقبعات موحدة. هنا تبدأ الدروس النظرية، حيث يجري الشرح باستخدام علامات التأشير الموجودة على الطرق لتوضيح قانون السير. كما يقدم المدربون دروسا تطبيقية للملاك السابقين لـ"شاريتات"، وذلك في مدرجات خاصة ضمن مجمع تابع لإدارة النقل البري على شارع المقاومة (طريق عزيز).
يتوجس عمر وهو يتلقى الدرس الأول في مدرسة تعليم السياقة، استعدادا لخوض تجربة قيادة سيارات صغيرة بثلاث عجلات، بعد سنوات قضاها على ظهر حمار يجر عربة بعجلتين (شاريت).
اليوم زادت العجلات بواحدة وتغير شكل المركبة كما تغيرت أدوات التعامل معها. وتوشك نواكشوط أن تخوض بذلك تجربة مماثلة لأخرى في بعض كبريات المدن المزدحمة، كبانكوك والقاهرة والدار البيضاء.
"طلبوا مني ترك حماري لأنه يعيق حركة السير ويلوث البيئة، وتعهدوا بمنحي سيارة، ولا أرى أن عاقلا يمكنه أن يرفض مثل هذا العرض" يقول علي الذي انضم إليه عشرات من أمثاله ممن درجوا على استعمال الحمير وسيلة لنقل الأشخاص والسلع، مقابل بعض المال يشكل دخلا يوميا، يساهم في مصروف عائلة علي المكونة من سبعة أفراد.
المئات من ملاك الحمير أصبحوا على موعد كل يوم؛ ولمدة شهر مع حصص تدريب على ركوب وقيادة هذه السيارات الصغيرة الثلاثية الأرجل، ضمن مشروع أنجزته وكالة التضامن بالتعاون مع وزارتي النقل و الداخلية. [نواكشوط تودع عربات الحمير..وتستقبل ثلاثيات العجلات]وتقوم إدارة النقل البري بعمليات تدريب واسعة للمشمولين في العملية داخل مركز التدريب المجهز بمختلف الوسائل المطلوبة.
وقال مدير الوقاية والسلامة الطرقية محمد ولد محفوظ ولد اعلي إن العملية تتضمن التدريب على قيادة مثل هذه العربات واستصدار رخص لأصحابها، بينما تولت وكالة التضامن شراء السيارات؛ بناء على جرد قامت لمستخدمي العربات التي تجرها الحمير في مقاطعات نواكشوط التسع، وهي العملية التي خرجت بعدها قوائم طويلة تعكسها الطوابير الممتدة في ساحة التدريب بنواكشوط. وسجل أكثر من 2550 مالك عربة أسمائهم، من أجل استبدال عرباتهم بهذه السيارات الصغيرة، وذلك للحد من زحمة المرور، ولضمان مظهر مدني داخل العاصمة نواكشوط التي تشهد منذ أكثر من شهر حملة واسعة للنظافة. ويقبل المستفيدون من هذه الخدمة المجانية بحماس على ساحات التدريب على القيادة والأمل يحدوهم في خوض تجربة ناجحة تعوض ما قد يخسرونه من مداخيل بعد استبعاد الحمير من العمل في العاصمة.
ويبدي بعض هؤلاء الخشية من التجربة؛ لاسيما في ظل مخاوف من أن تكون السيارات الجديدة ضعيفة البنية وغير قادرة على الاستمرار فترة أطول في الخدمة. وقال أحد المستفيدين "نحن فرحون بهذه الخطوة، لكننا قلقون من المستقبل". ويضيف آخر إن الفكرة ربما تكون مغرية لكن المشكلة تكمن في مدى قدرة هذه المركبات على البقاء مدة أطول.
ويطرح آخرون أسئلة عن مدى توفر قطع غيار هذه السيارات في نواكشوط، وما إذا كانت تكاليف إصلاحها قد تستنزف ما ادخره المستهدفون، في وقت افتتحت دكاكين جديدة لبيع قطع غيار السيارات الصينية.
فيما لا يزال تقدير مدى استهلاك السيارات للديزل مبهما بالنسبة للسائقين الذين تعودوا على شراء الأعلاف للحمير، التي يمكن أيضا أن تعتمد على بقايا الطعام. وقبل أشهر ظهرت في نواكشوط نماذج من ثلاثية العجلات ضمن تجربة مولتها وكالة تشغيل الشباب لعدد من حملة الشهادات. وتستطيع العربة الجديدة حمل أكثر من طن من المواد المنقولة.
وعند اكتمال مكونات المشروع الجديد فان الحمير سوف تختفي بشكل شبه نهائي من أحياء عديدة في نواكشوط، وهو ما سيكون له دور في منح المدينة مظهرا أكثر حداثة. لكن ذلك يبقى مرتبطا بمدى قوة هذه السيارات التي تتحول إلى قطع بالية أكثر ضررا للبيئة في حالة أن عمرها الافتراضي كان قصيرا جدا.
وفي انتظار الموعد المحدد يواصل مدربو إدارة النقل البري جهودهم من أجل الإسهام في وضع اللبنة الأولى في مشروع طموح، يهدف إلى تطوير وسائل العيش لعمال يوميين كادحين، وتحسين مظهر الشوارع المزدحمة في نواكشوط، أو على الأقل المساهمة في تخفيف الزحمة، وإبعاد الحمير عن قلب العاصمة النابض.صحراء ميديا