الحمد لله رب العالمين جعل العلم أساسا لرقي الأمم وسمو الحضارات وحث على السعي له بكل الطاقات والقدرات وأشهد أن لا اله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصبحه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، عبده ورسوله أرشد الإنسانية إلى منهج الحياة السوية، ودعا للتعلم ونبذ الأمية، أنزل عليه المولى عز وجل أعظم كتاب ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكان أول أمر يوجه إليه وإلى الأمة من خلاله:"{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ". فالقراءة هي الطريق إلى معرفة الخالق، وبها إظهار النعمة العظيمة التي أكرم الله بها الإنسان، وهي أهليته للعلم والمعرفة (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ".
أيها الإخوة المؤمنون.
إن المتأمل للسيرة النبوية يجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته قد استجابوا لهذا الأمر الإلهي بالقراءة فأقبلوا على العلم والقراءة والكتابة، لما علموه من الفضائل في ذلك وأثره في الحياة ويكفي أن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل فكاك بعض أسرى غزوة بدر تعليمهم عشرة من المسلمين الكتابة والقراءة.
أيها الإخوة المؤمنون،
لقد خلق الله تعلى هذا الإنسان في أحسن تقويم وفضله بالعقل ورفعه بالتعليم قال تعالى "وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ".
وجعله محلا للتبجيل والتكريم: قال تعالى " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً".
واستخلفه في هذه الأرض ليحكم فيها بالعدل ويعمرها بالعمل وليتمتع بما خلق الله له فيها من أسباب العيش الكريم وليهنأ فيها بالأمن والأخوة والمساواة، وقد عاشت البشرية ما شاء الله أن تعيش في ظل هذا الانسجام إلى أن حرفوا المنهج فعبدوا الحجر وعبدوا البشر، واستكبروا في الأرض بغير حق وساموا الإنسانية سوء العذاب، ذبحوا الأبناء واستحيوا النساء وقسموا المجتمعات تقسيما طبقيا، يقبع العبيد في أسفله مسخرين للعمل محرومين من أبسط الحقوق الآدمية.
أيها الإخوة المؤمنون،
على هذا الأساس قامت البني الاقتصادية للحضارات القديمة ..... فامتلأت الدنيا جورا وظلما(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
وفي هذا بزغ نور الإسلام ليبشر الناس بعهد جديد، أساسه العدل والمساواة وتحرير الإنسان من كل أنواع العبودية لغير الله، ومع أن الإسلام جاء ببرنامج مثالي للقضاء النهائي على هذه الظاهرة – التي أكد أنها طارئة على الإنسان – وذلك من خلال أبواب الاسترقاق، وفتح أبواب التحرر، إلا أنه ما رسخه عقديا من معايير واضحة للمساواة كان الأعمق أثرا، والأبقى تأثيرا {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} نصوص قطعية الورود قطعية الدلالة، لا لبس فيها، تجرد المستعبدين من أي فضل على العبيد، بسبب الأصل، أو الجنس، أو اللون، (يأيها الناس إن ربكم وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وأدم من تراب، أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس على لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت... اللهم فاشهد – قال: فليبلغ الشاهد منكم الغايب)، أهداف وقيم تحررية إسلامية، تغرس منطلقاتها النظرية في أصل العقيدة، إنه حقا { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}.
أيها الإخوة المؤمنون،
إن بلوغ هذه الأهداف الإنسانية والقيم الربانية لا يتأتى إلا في جو من الحرية والعدالة الاجتماعية، والقطيعة مع كل مخلفات الرق والعبودية.
وانطلاقا من الوعي التام لهذه الحقيقة، أعدت وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي – ضمن الإستراتيجية الكبرى التي تتولاها الحكومة – برنامجا متكاملا، لن يتوقف – إن شاء الله – حتى يحتفل الشعب الموريتاني بالقضاء النهائي على كافة مخلفات الاسترقاق، ويصبح – إن شاء الله – مجتمعا إسلاميا كله تعاون ورحمة ومودة، بنيان مرصوص يشد بعضه بعضا، وجسد واحد إذ اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة.