تجلس قارئات الطالع على مقربة من بعض المحال التجارية في سوق المقاطعة السادسة في نواكشوط، بانتظار الزبائن، يراقبن المارة بانتباه شديد، ويجذبنهن من خلال كلمات قليلة تحمل التحذير والبشرى في آن. لهؤلاء زبائنهن من نساء ورجال وحتى من السياح الأوروبيين، الذين تجذبهم طقوس قراءة الحظ وعادات النساء اللواتي احترفن ضرب الرمل لكسب الرزق.
تستغل قارئات الحظ مكانتهن التقليدية في المجتمع الموريتاني، بعدما نجحن في فرض وجودهن في المجالس، واستقطاب أكبر عدد من الزبائن من دون الخوف من التعرض للملاحقة الأمنية.
وبالإضافة إلى هذه الحصانة الاستثنائية التي تتمتع بها العرافات، والتي سمحت لهن بممارسة طقوسهن علانية، فإن براعتهن وتمكنهن مما يسمينه "سر الحرف"، رفع شعبيتهن في المجتمع، وأصبح الناس يقبلون عليهن لاستطلاع حظهم وإن كان ذلك لمجرد التسلية.
جذب الزبون
لدى مرور الناس على مقربة منها، تقول العرافة كلمات مبهمة بهدف جذبهم إليها وسماع توقعاتها. وإذا نجحت، ترافق العرافة، أو "الكزانة" كما يطلق عليها الموريتانيون، الزبون إلى مكان منعزل من أجل تهيئة أجواء مريحة لقراءة الطالع.
أما إذا فشلت خطتها، فإنها لا تتردد في السير وراءه كاشفة بعضاً من توقعاتها، لحثه على القبول بعرضها، واعدة إياه بكشف المزيد من أسرار المستقبل.
في المقابل، تفضل بعض قارئات الحظ الجلوس وانتظار قدوم الزبون إليهن. أما اللواتي يسعين وراء الزبون، فهن دخيلات على المهنة بنظرهن، لا بل يسئن إليها. عادة يجذبن النساء أكثر من الرجال. أما السياح الأجانب، فهم زبائنهن المفضلون، خصوصاً وأنهم يدفعون بسخاء.
كشف المستقبل
تقول العرافة، ميمونة بنت بابا أحمد، (46 عاماً)، لـ "العربي الجديد"، إن قارئات الحظ في موريتانيا يعتمدن على وسائل مختلفة لقراءة الطالع، أشهرها ضرب الرمل والودع والقراءة في السبحة. تشير إلى أن غالبية النساء دخيلات على هذه المهنة. ترفض الزبائن الذين يقصدونها بهدف الفضول والتسلية أو لاختبار قدرتها على قراءة الطالع، لأن "عقد النية ضروري لنجاح العملية وكشف الطالع".
ترى أحمد أن أسوأ ما في هذه المهنة هن الدخيلات عليها، أو اللواتي يستغللن قراءة الطالع كغطاء للترويج للمشعوذين والسحرة، الذين يدعون القدرة على إيجاد حلول ناجعة لجميع المشاكل الحياتية وحتى العلاج من الأمراض المستعصية. تبدأ عملها عادة بطمأنة الزبون بقدرتها على كشف ما يخبئه له المستقبل. تشرع في خلط الودع، ثم تطلب منه أن يهمس للودع بحاجته أو ما يريد الاستفسار عنه، قبل أن ترميه على الأرض. تبدأ بقراءة الطالع والتأكيد على ما استنتجته من خلال الرسومات التي خلفها الودع. ومن حين إلى آخر، تستفسر من الزبون عن أحداث تعرض لها.
ويجد بعض الزبائن، وخصوصاً الرجال، صعوبة في فهم ما تقوله قارئات الحظ. فجملهن غير منسجمة ورموزهن معقدة، وينتقلن من موضوع إلى آخر أو يعطين إشارات مبهمة. تشرح أحمد أن العرافات يتحاشين البوح بأمر سلبي للزبون، ويركزن على الأمور الإيجابية والجميلة والمفرحة. توضح أن العرافة الحقيقية تستطيع التفريق بين من يقصدها برغبة صادقة، وبين من جاء بهدف التسلية والفضول. كما أن بعض العرافات يفشلن في معرفة ما يجول في خاطر الزبون وقراءة طالعه، ويغطين فشلهن بالقول إن الزبون لم تكن نيته صافية.
الترويج للسحرة
تتنقل بعض العرافات بين البيوت والمجالس. وتحرص بعض العائلات على استضافتهن لإضفاء جو من التسلية على جلساتهن. وإذا كان عامة الناس يذهبون إلى منازل العرافات ويجاهرون بالاستعانة بهن، فإن المشاهير يحرصون على جلبهم إلى منازلهم حفاظاً على سمعتهم.
في هذا السياق، يحذر عدد من الباحثين من الاستعانة بالعرافات لاستطلاع الحظ أو بهدف التسلية والفضول. ويقول الباحث الاجتماعي، المصطفى ولد سيدي محمود، إن "العرافات يروجن للدجالين والسحرة الذين يستغلون معاناة الناس للنصب عليهم، من خلال إيهامهم بقدرتهم على إبطال السحر ودرء العين والحسد ومعالجة الأمراض". ويرى أن غالبية العرافات يعملن كسمسارات لهم". لذلك، يطالب بالكف عن الاستعانة بالعرافات، في ظل تنامي تأثيرهن في المجتمع. –
العربي الجديد