وسط مبنى المعرض الوطني بالعاصمة نواكشوط تنهمك السيدات بتركيز بالغ في خياطة الخيام بأسرع وقت ممكن لتحصيل قوت يومهم من الثمن المدفوع والذي 10.000 أوقية عن تأجير الخيمة في اليوم الواحد، والتي تمثل سكنا تقليديا في موريتانيا لا يزال سائدًا على نطاق واسع.
وتقول الخمسينية أمنة بنت أحمدو لمراسل مصر العربية إنها تعمل في مهنة صناعة الخيام منذ 15 عامًا لمساعدة زوجها الذي كان يزاول مهنا حرة لا تدر عليه بالكثير من الدخل، وهو ما ضاعف حاجة الأسرة للعمل ودفعها هي رفقة عدد من النساء للعمل في سوق (صناعة الخيام) الذي يعرف رواجا معقولا في بعض الأحيان.
وتضيف بنت أحمدو إن وفاة زوجها وبقاء بناتها الأربعة دون معيل جعلها تقضي كل وقتها في صناعة الخيام، حيث قررت رفقة زميلات أخريات إنشاء تجمع لصناعة الخيام في المعرض الذي توفره الحكومة للنساء دون أن تمنح للعاملات في المهنة أي خدمات أو مساعدات من أجل تطوير مهنتهن والرفع من شأنها.
وتتذكر بنت أحمدو أيامها الأولى في المهنة وكيف استطاعت التوفيق بين تربية الأبناء وتحصيل لقمة العيش، مشيرة إلى أن وفاة زوجها في السن المكبرة للبنات زاد من معاناتها بسبب تحملها لمسؤولية توفير العيش لهن وتدريسهن في الوقت الذي لا يملك اخوتها أي مال لمساعداتها.
خريف المهنة
غير بعيد من بنت أحمدو تباشر لكبيد عملها في تطريز إحدى خيامها وسط أمل في إيجاد من يشتري الخيمة التي يعد تطريزها من أحسن "الماركات" المسجلة حاليا في السوق، لكن هاجس الكساد الذي تعرفه السوق هذه الفترة يؤرقها كثيرًا.
وقالت ـ لكبيد ـ إن فترات الحملات الانتخابية من أحسن الفترات رواجا حيث يكثر الطلب على الخيام لتشييدها في الحملات الترويجية للمرشحين، كما تستفيد النسوة العاملات في السوق من تأجير الخيام أوقات المناسبات الاجتماعية التي تبنى لها الخيام كتقليد اجتماعي.
ويعد السواح الأجانب والزوار من الدول المختلفة من أهم الزبائن لنساء الخيام في موريتانيا لتركيزهم على الخيمة وشرائها لكونها من أهم التقاليد العريقة للشعب الذي اقترن اسمها به منذ عصور قديمة.
يحتضن سوق صناعة الخيام في موريتانيا مئات النساء اللواتي يعلن أسرهن ولم يستطعن الحصول على مهن أخرى غير خياطة وتطريز الخيام، ويصدرن انتاجهن من الخيام لجميع مناطق البلاد، كما يعملن على حفظ الموروث الشعبي في صناعة خيام الوبر السوداء التي تعد خصيصا من وبر الغنم والإبل، وهو نوع من الخيام كان الموريتانيون قديما يعتمدون عليه لإيوائهم من الحر في حلهم وترحالهم.
غياب الدعم
يجمع النساء في المعرض الوطني بالعاصمة نواكشوط على أن مهنة صناعة الخيام وتطريزها لم تحظى عبر سنوات عديدة من تاريخها بأي مساعدات حكومية، مؤكدات حاجتهن لماكينات خياطة وبناء السوق بشكل يسمح لهن بترويج البضاعة بصورة دائمة وفي كافة الأوقات.
وتبرر النسوة حاجة السوق للتفعيل والمساعدات لكونه من أهم الأسواق التي تعود بمردود على مئات الأسر، ويقتات على سيولتها الفقراء من مختلف مقاطعات العاصمة نواكشوط، كما يتيح الفرصة لعدد من النسوة القادمات من المدن والأرياف الداخلية لعرض خيامهن للبيع والمنافسة في المنتوج المحلي الذي لا يزال يقاوم رغم تقاعس الحكومة عن دعمه واعتماد النساء عليه.
أسعار في المتناول
على الرغم من أن الخيمة تمثل تراثا عريقا لدى الشناقطة توارثوه أباً عن جد، وحافظو عليه بوصفه روحا للتسامح، ورمزا للكرم، والضيافة، والصفاء، إلا أن صناعته أصحبت مهنة للفقراء وأملا للقاطنين وملاذا للنساء اللواتي جاهدن كثيرا للبقاء على قيد الحياة في زمن البطالة المتزايدة.
وقالت رائدة سوق صناعة الخيام بموريتانيا أمنة بنت أحمدو لمراسل "مصر العربية": إن أسعار الخيام في متناول الجميع معطية بذلك تفاصيل دقيقة لأسعار الخيام وأنواعها وكذا كيفية تأجيرها بسعر زهيد.
وأضافت بنت أحمدو إن (5000 أوقية) كافية لتأجير خيمة لمدة أربع وعشرين ساعة للحفلات الاجتماعية والأعراس التي تتخذ من الخيام شعارا لها، كما أن (20000 أوقية) كافية لشراء خيمة بطول خمسة أمتار وعرض أربعة، بينما يبقى السعر الأكبر للخيمة التي يبلغ طولها (20 مترًا)، وعرضها (6 أمتار)، وتحرز هذه النوعية من الخيام المطرزة سعرًا أكبر إذ يقدر سعرها بـ مائة ألف أوقية، وتؤكد رائدة صناعة الخيام بموريتانيا على أن النسوة العاملات إما أن يكن نسوة مطلقات يقع عليهن عبء إعالة أبنائهن، أو أرامل توفي أزواجهن ولم يبق لهمن معيل.
وتشير بنت أحمدو إلى أن البداية الأولى لوجود مهنة صناعة الخيام تعود إلى السنوات الأولى من تأسيس العاصمة نواكشوط وبالتحديد خلال سنوات قليلة من استقلال موريتانيا عن فرنسا في العام 1960، حيث بدأت الهجرة المبكرة من المدن والقرى الريفية باتجاه العاصمة طلبا للعمل والتكسب وهربا من جحيم الجفاف الذي ضرب البلاد نهاية السبعينات وأواسط الثمانينات من القرن المنصرم.
ويرى الباحث الاجتماعي الشيخ ولد عابدين إن الحكومة الموريتانية تقصر بشكل لافت للانتباه في خدمة نساء الخيام اللواتي يعملن في خدمة المجتمع بشكل عام، ويساعدن على توفير مهنة حرة لعدد من المواطنات في وقت تعجز السلطات عن توفير أي وظائف لمئات العاطلين عن العمل من حملة الشهادات في موريتانيا.
ويقول ولد عابدين في حديث لـ "مصر العربية": إن سوق الخيام بحاجة للتشييد وجلب ماكينات الخياطة، وتوفير دورات تدريبة للعاملات من أجل تطوير المهنة والرفع منها لكونها من أهم المهن التي جمعت بين العراقة والحداثة، وساعدت على حفظ موروث ثقافي تليد هو صناعة الخيام المحلية التي يشتهر بها الموريتانيين.
وترى الناشطة الاجتماعية لاله بنت سيدي أحمد أن المهنة بحاجة لمد يد العون من السلطات الرسمية والجمعيات الخيرية، معتبرة أن تدخلهم من بوابة التمويل والدعم المادي مهم للسوق بشكل عام، وهو تصرف مأمول ومطلب متجدد من شأن السلطات الاستجابة له في أقرب الآجال.
وقالت بنت سيدي أحمد لـ "مصر العربية": إن نساء سوق الخيام عبروا عن مطالبهم في أكثر من مرة، وإن الوقت قد حان لجعل مهنتهم من المهن التي تحظى بدعم رسمي لكونها مهمة للمساعدة في سد حاجة مئات الأسر الفقيرة في البلد.
ولا توجد إحصائيات رسمية تمكن من التعرف بشكل دقيق على عدد النساء العاملات في سوق صناعة الخيام بموريتانيا، غير أن ما يؤكده النسوة أن المئات من هن يعملن في السوق، بينما تبقى الحاجة لضبط السوق قائمة وذلك من الحفاظ على جودة المنتج وإتاحة الفرصة للرائدات من تسويق عملهن في فضاء مفتوح على مصراعيه لكل من يطمح لسد فراغ البطالة التي تفتك بأكثرية السكان.
وتقول المعطيات المتوفرة إن الحكومة الموريتانية ممثلة في (وزارة التجارة والصناعة التقليدية والسياحة) المعنية بالسوق ليس في أجندتها الحالية أي طموح لمساعدة العاملات في السوق التي تئن بالفقراء وتتعالى منها الأصوات المطالبة للمساعدة في تطوير المهنة الحرة التي تغالب الزمن منذ عقود.
مصر العربية